• بقلم محمد فخري العجلوني
لا أعتبرُ نفسي من شديدي الاعجاب بمنظمة اليونسكو، حيثُ عليها مثلُ الذي على كل منظمات الأمم المتحدة من السلبيات والمثالب التي ليس هنا مقام أو موعد الجدل فيها.
لكنني اليوم لا أتردد في الإشادة بما فعلته اليونسكو هذه السنة، بمناسبة اليوم العالمي للصحافة؛ فقد اختارت لمناسبة 2022، شعاراً أعرفُ، مهنياً وشخصياً، أنه موضوعٌ موقوت ومستحق، هو “صحافة قابعة تحت حصار رقمي”. فيه يناقش مؤتمرها، اليوم، تاثير العصر الرقمي في حرية التعبير وسلامة الصحفيين وفي الحصول على المعلومات ومسألة الخصوصية.
وهو وإنُ كان زملاؤنا في هذه المهنة، التي كانت تسمى مهنة المتاعب قبل أن تكتسب صفة أخرى أقسى من تعبير”المتاعب”، إلا أنني احتفظ لنفسي شخصياً بملف ذكريات مهنية واستثمارية آثرتُ طوال عمري أن تبقى ذاكرة شخصية. فمنذ أن ارتدتُ صناعة الإعلام من بوابة الانتاج، قبل ثلاثين سنة، واجهتُ الذي اكتفي اليوم بوصفه أنه لم يكن ضمن طموحات أو مخيّلة مهندس تخصص أكاديمياً بالبث الفضائي، وحلم أن يسهم وطنياً وقومياً، وانسانياً، بما هو قيمة مضافة تستحق المجاهدة.
ولأننا درسنا في الجامعات الأمريكية أن الإعلام صناعة رأسمالية ثقيلة، بقدر ما هي مهنة ذات رسالة وأخلاق وسلطة رابعة، فقد كانت خطوتي التالية هي ارتياد مبدأ التكامل في صناعة لوجستيات البث العابرة للحدود ومتعددة الجنسيات.
في الإعلام بإقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عندما تدخل البث الفضائي وخدماته التي تحتاجها القنوات الدولية الكبرى، تجد نفسك وسط غابة كثيفة يصعب فيها تمييز اللاعبين مٍنْ ظلالهم أو من الأشباح.
وعندما تكون مع الكاميرات في موقع متقدم من معارك كحرب الخليج أو فلسطين أوفي أقاليم الجوار، فإنك تصبح محظيّاً بالنجاة من الموت …وهي نعمة لا تقل متعة عن تجربة الانفراد بمقابلة صحفية مع زعيم مجلّل بالأسرار. وتكون المتعة مضاعفة إذا كان هذا الزعيم موهوبا بحسّ النكتة وبرغبة أن يظهر على واحدة من القنوات الأمريكية والاوروبية الرئيسية.
قبل أن نُطلق قناة “الأردن اليوم” التي أُغلقت لظروف قاهرة، قُدّر لي أن أخوض تجربة انشاء قناتين، عراقية وسوريّة، وهي تجربة تُذكرّني اليوم، في مناسبة يوم الصحافة العالمي، بحجم التحدّي الاستنزافي الذي يدفعه رواد الإعلام ثمناً للمشاركة في شيء يشبه الوهم اسمه حرية الإعلام.
مِنْ بين المحاور الرئيسية التي يناقشها مؤتمر اليونيكسو في يوم الصحافة العالمية الذي ينعقد هذا العام في الاوروغواي، قضية برنامج اختراق هواتف الصحفيين والسياسيين بسوفت وير البيغاسوس، أو الحصان المجنح.
فقد عشتُ هذه التجربة التي أضحت آخر نماذج الصحفي عندما يكتشف متأخراً أنه كان واحداً من ضحايا الحصار الرقمي أو الاختراق الذي ما عاد سهلاً أن تتحوّط له.
لا أذكر أنني كنتُ يوماً مطالباً بأن أسجّل موقفاً بالنسبة لما تقوم به اليونيسكو، من أنشطة متعلقة بالسلبيات والإيجابيات. لكنني اليوم لا أتردد بالقول “شكرا”..
شكرا على عنوانهم هذه السنة “صحافة قابعة تحت الحصار الرقمي”. فهي قضية نعرف أنها قائمة بإلحاحٍ أسود.. سيطيله سباق الذكاء الاصطناعي..