الأردن اليوم – ما قامت و تقوم به اسرائيل من عرقلة حرية العبادة في المسجد الاقصى لم يعد يخفى على احد. و بالرغم من محاولة اسرائيل انكار ذلك وتصوير نفسها للمجتمع الدولي على انها تعمل على حماية الحريات الدينية، يبقى هدفها الاستراتيجي الواضح اليوم هو السيطرة المتدرجة على الاماكن الدينية في المدينة المقدسة.
وقد انتبه الاردن مبكرا لمثل هذه المحاولات التي تتنافى مع ما جاء في المعاهدة الاردنية الاسرائيلية نفسها من اعتراف بالدور الاردني في الوصاية على المقدسات الاسلامية في القدس. الا انه في الاونة الاخيرة، بدأ العالم ايضا بالادراك و لو متأخرا بما تقوم به اسرائيل من عرقلة و تضييق لحرية العبادة في الاماكن المقدسة المسيحية ايضا في القدس.
وقد بدا ذلك جليا و امام كاميرات التلفزيون يوم سبت النور، حين حدت اسرائيل و بشكل كبير من وصول المسيحيين المقدسيين الى كنيسة القيامة، و مارست تفرقة عنصرية عرقية واضحة حين كانت تسمح بدخول الحجاج الاجانب بينما تعرقل وصول الفلسطينيين المسيحيين الى محيط و داخل الكنيسة.
لقد تجاهل العالم الخارجي الى حد كبير و لوقت طويل الانتهاكات الاسرائيلية ضد الحريات الدينية، كما تجاهل حقيقة ان عدد المسيحيين المقدسيين قد انخفض الى اقل من اربعة الاف شخص ما يهدد باندثار المسيحية في مهدها، و تحول اماكن العبادة المسيحية في القدس الى متاحف و ابنية فارغة من اهلها.
الا ان ذلك التجاهل بدأ بالتحول مؤخرا، بعد ان اصبحت الممارسات العنصرية الاسرائيلية، السياسية منها كما الدينية، عصية عن غض النظر عنها. و في تطور ملفت، حذر عدد من اعضاء الكونغرس الاميركي، و من الحزبين الديمقراطي و الجمهوري، وزير الخارجية الاميركي بلينكن من ازدياد الهجمات الاسرائيلية الموجهة ضد المسيحيين المقدسيين، و طلبوا منه العمل لضمان احترام اسرائيل لحرية العبادة.
اشارت الرسالة الى عدد من الاعتداءات ضد الكنائس المسيحية و رجال الدين في الاونة الاخيرة، اضافة الى تقييد حرية العبادة للمقدسيين، كما اشارت لمحاولات المتطرفين دثر الوجود المسيحي الفلسطيني في المدينة.
صحيح ان عدد الموقعين على هذه الرسالة لم يتجاوز الثمانية اعضاء، و لكنه صحيح ايضا ان مجرد ارسال مثل هذه الرسالة من اي عدد من اعضاء الكونغرس غير مسبوق، و يشير الى بداية تحول في الصورة الاسرائيلية النمطية داخل الولايات المتحدة، خاصة و ان الرسالة، و المكتوبة بدبلوماسية فائقة، تحمل اسرائيل مسؤولية التعدي على الحريات الدينية في المدينة.
لقد لعب الاردن و لا زال، و بتدخل مباشر من جلالة الملك شهدت عليه اثناء عملي في الحكومة، دورا مهما في تثقيف الغرب حول اهمية الوجود المسيحي في القدس، و ضرورة التصدي لمحاولات اسرائيل المتكررة لطمس هذا الوجود، و ما ينتج عنه من اثار سلبية للتعددية الدينية الاسلامية المسيحية التي يحرص عليها الفلسطينيون و العرب، و يجب ان يحرص عليها المجتمع الدولي باسره. لا يجوز بحال من الاحوال ان تقتل التعددية الدينية في منطقة هي مهد الديانات، و لا يجوز ان يسمح بحال من الاحوال ان تتحول المقدسات المسيحية في القدس الى متاحف تزار من الخارج و لا يسكنها و يحميها و يحافظ عليها اهلها المسيحيين.
تتحمل اسرائيل كامل المسؤولية عن ذلك، و يجب دعم الجهود الاردنية كما الفلسطينية لفضح هذه الممارسات الاسرائيلية في الخارج و تبيان نتائجها الكارثية ليس فقط على اماكن العبادة المسيحية، و لكن على مفهوم التعددية الدينية باسره.