الاردن اليوم: عملية التفكير هي ما يميز الإنسان عما دونه من الكائنات، تلك العملية التي تقوم عليها قدرة الإنسان على الاختيار، فيختار بين الصواب والخطأ، ويميز بين الجميل والقبيح، ويدرك المعاني الكلية والمبادئ العليا التي تمكنه من التمييز والاختيار، وبعملية التفكير يستطيع تحصيل العلوم وتتراكم لديه المعرفة.
والسؤال ههنا –بعد كل ما سبق– هل يمكن اعتبار هذه العملية المحورية في حياة الإنسان والتي تمثل إنسانيته مرضًا؟ومرضًا نفسيًا أيضًا؟
بالطبع لا، فالتفكير في حد ذاته لا يمكن اعتباره مرضًا، كذلك مثلًا لا يمكن اعتبار الأكل مرضًا، ولكن الشراهة مرض واضطراب الأكل مرض، فكذلك لا يمكن اعتبار التفكير مرضًا، ولكن الامتناع عن التفكير قد يعد نوعًا من المرض، وكذلك التفكير الزائد، حيث ذلك التداع من الأفكار التي تكون بلا رابط أو هدف، ولا تعمل على حل مشكلة.
كيف أتخلص من التفكير الزائد؟
وبعد تحديد الهدف الحقيقي، فإن أولى خطوات العلاج هو استبدال عملية التفكير الزائد بعملية التفكير المنطقي، فبتعلم وممارسة التفكير المنطقي، يصبح التفكير عملية موجهة ذات هدف واضح لحل مشكلات الإنسان.
وتأتي الخطوات اللاحقة من علاج الأسباب الثانوية المساعدة، كالتقليل أو الحد من شرب المشروبات المنبهة، وممارسة هوايات أو تمارين التأمل.
كيف أتخلص من التفكير والقلق؟
من الآثار التي تصاحب عملية التفكير الزائد هو الإصابة بالقلق، ولكن يجب الانتباه جيدًا، فكما أسلفنا فإن القلق في ذاته لا يمكن اعتباره مرضًا، أو شيئًا سلبيًا يجب التخلص منه، هو سلوك إنساني طبيعي، مطلوب ومرغوب فيه أحيانًا،
حيث يعمل القلق أحيانًا كحافز للإنسان للسعي وبذل المزيد من الجهد، فدون القلق من المستقبل ما بذل الإنسان الجهد في العمل، ودون القلق من الامتحانات والاختبارات ربما لم يجد الأغلبية من الطلبة الدافع المناسب للتحصيل والمذاكرة.
ولكن هذه العاطفة تصبح مرضًا خطيرًا يجب التخلص منه حين تصبح عائقًا أمام البذل والعطاء، فيتحول القلق من محفز للعمل إلى ستار من الخوف يمنع الإنسان عن السعي وبذل المزيد.
مراقبة النفس
وللتخلص من هذا القلق المرضي يمكن لك في هذه الحالة مراقبة نفسك، فإذا ما دفعها القلق للحركة والبذل كان هذا هو المراد، أما لو قابلت هذا القلق بفتور وخوف من الإقدام فكان عليك حمل نفسك على البذل والعطاء، حتى تنقاد نفسك إلى المداومة على البذل والإقدام أمام نوبات القلق.
المحاولة والسعي
كما أن عليك أن تتطمئن بأن كل ما كان وما هو كائن وما سوف يكون إنما هو خير، فهو بعين العلم المطلق والخير المطلق والعدل المطلق والجمال المطلق، فإن كان كل ما يصدر عنه خيرًا وجمالًا، ولو كان في ظاهره ألم، فما الداعي للقلق؟
إنما عليك فقط أن تقلق من تقصيرك وأن تتألم من توقفك عن المحاولة والسعي، أما النتائج فتأكد بأنه لا يضيع أجر من أحسن بعين العدل المطلق، حتى لو لم ترَ مظاهر ونتائج تلك الأفعال.
كيف أتخلص من التفكير في الناس؟
يحكي أن جحا يومًا ذهب إلى السوق مصطحبًا ولده وقد ركبا حمارًا يملكه، فغضب الناس من قسوة قلب جحا وتحميله حماره ما لا يطيق، فترجل جحا وقد سار بجانب الحمار الذي يمتطيه ولده، فغضب الناس على ابن جحا وعدم بره بوالده جحا، فترجل الولد وامتطى جحا حماره،
فغضب الناس عن قسوة الأب على ابنه حيث تركه يسير وقد استراح هو على حماره، فترجل جحا وابنه وسارا بجوار الحمار، ليغضب الناس من حماقة جحا وولده وقد سارا على الرغم من امتلاكهما للحمار، فما كان من جحا وولده إلا أن حملا الحمار فوق كتفيهما.
ليعلنها جحا صريحة، أن انشغالك برأي الناس هو انشغال لا طائل منه، لذا كان قول الإمام الشافعي مؤيدًا لتلك الحقيقة: “رضا الناس غاية لا تدرك”، وهو ما يقره العقل أيضًا، فالحكيم من يعلم أن وجوده في هذا الكون إنما هو لحكمة، أن يؤمن بالحقيقة وأن يفعل الصواب، فكانت الحقيقة حقًا ولو رفضها الناس، وكان الصواب صوابًا ولو استهجنه الناس.
فما هي قيمة أن تنتصر لما يراه الناس حقًا لو كان باطلًا؟ وما هو الربح في أن تتقاعس عن نصرة ما يراه الناس باطلًا وهو حق.