العموش: أسباب التيه

د. بسام العموش

الأردن اليوم – استكمالا للصور التي بدأتها في مقالي “تيه العربان” أقول:

للتيه أسباب عديدة لا بد من ذكرها وكما قيل “إذا عرف السبب بطل العجب” وأهم تلك الأسباب:

١. تغيير الهوية حيث انطلقت هويات مكانية بعد سقوط الدولة العثمانية رغم أن شعار العروبة هو الذي تم طرحه لكننا استيقظنا على هويات فرعية فظهرت أعلام ورايات معبرة عن النظام السياسي المكاني وتنوعت ألوان الأعلام ولن يعد هناك علم أو راية إسلامية ولا عربية بل علم أردني وفلسطيني وسوريا وسعودي ومصري ومغربي …إلخ ، وليست القضية مجرد راية بل إشارة تدل على الاهتمام والحدود وظهرت الوطنية على حساب القومية والإسلام، وصار التدخل في قضايا الأقطار التي رسم حدودها الإنجليزي سايكس والفرنسي بيكو جريمة تعاقب عليها قوانين كل بلد . وصارت حدود الأقطار مقدسة وتحولت إلى نقاط أمنية وظهرت جيوش وأناشيد وطنية وانعكس كل ذلك وفي مناهج تعليمية مدرسية وجامعية ، وصار كل من ينادي بالأمة والهوية الأصلية حالما” خياليا” لا يفقه الواقع والمتغيرات .

٢. تراجع دور علماء الإسلام وتحول كثير منهم إلى موظفين مأمورين بعد أن كانوا قادة أمة ومنارات فكر وفقه وعلم تتجاوز الحدود . وصارت كل سلطة في كل بقعة معينة وباسم المصلحة الوطنية تقزم دور العلماء ليكونوا باحثين عن هلال رمضان وإلقاء كلمات في ذكرى المناسبات وصاروا أدوات بعد أن كانوا قادة مثل الأئمة الأربعة والعز بن عبدالسلام وابن تيمية والثوري. واليوم نعيش تأميم المساجد التي يجري تعليبها بالخطبة الموحدة ليتلقى الخطيب محاور خطبته فيقول ما يقال له وبالطبع ترافق مع هذا استبعاد علماء التنوير والنهضة وعلماء الأمة والأصالة وعلماء الإنكار وقول كلمة الحق وبهذا صارت المساجد متاحف يتبارز القائمون عليها بالزخرفة والفخامة بعيدا” عن المضمون والجوهر .

٣. عجز الحركات الإسلامية عن تحقيق الطموحات المشروعة في وحدة الأمة واستقلالها وهيبتها ونهضتها ، وهو عجز مزدوج صنعته الحركات بجمودها وصنعته الدول المطاردة للحركات لأن الدول تريد البقاء على ما هي عليه ولأنها ترتبط بدول كبرى لا تريد للأمة أن تنهض . بينما الحركات لم تستطع – رغم ما لديها من موارد بشرية واختصاصات –

أن تصنع خطط القفز فوق الحواجز فاستسلمت الفقه السجون وصار التغني بها جزءا” من الثقافة الدعوية ” السجن للداعين خلوة ” وظهرت مصنفات مثل ” الفتن والابتلاء في حياة الدعوات ” بينما لم يظهر ” النصر والقدر في حياة الدعوات” !!! .

٤. ثقافة الاستهلاك في كل شيء وما يتبع ذلك من زيادة كلفة الاستهلاك على الموارد والايرادات وهذا وقد إلى المديونية التي غرقت فيها كل الدول الإسلامية مما يعني الخضوع السياسي التلقائي. ولتعويض الفرق لجأت الحكومات المحلية البقرة الحلوب ” المواطن ” ليبقى يلهث وراء لقمة العيش وبالتالي لم تعد له اهتمامات تتعلق بالأمة ونهضتها وخروجها من التيه وصار لسان الواحد منهم :
” أكل عيش يا بيه ” ” يلعن السياسة لأنها لا تطعمنا الخبز”

٥. استمرار دول التآمر وإجماعها على منع الإسلام من العودة إلى القيادة فحاربَنا الإنجليزُ والفرنسيون والأمريكان والروسُ والصينُ والهندُ وغيرهم واستنهضوا من يشعل الطائفية بتمكين خميني من السلطة في إيران ليصير الشق عموديا” في الأمة وها نحن نرى الآثار في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والحبل على الجرار .

٦. وانضم إلى مسلسل إغراق الناس في التيه ما أسموه ظلما” وزورا” ( فن) وصارت الأم المثالية راقصة ، والسوبرستار مغنية، والممثلة التي تكشف مفاتنها ممثلة حقيقية ، بينما الفن الهادف لا قيمة له ولا رعاية ولا دعم . كما تحولت الرياضة عن هدفها في بناء الصحة إلى تنافس بغيض ينقسم فيه الناس ويتقاتلون وصار نموذج الشباب لاعب كرة مدمن ومغن ماجن سكير وراقصة من غير هدوم .

هذه بعض الأسباب وللحديث بقية .