الأردن اليوم – مع الارتفاعات الجنونية في مستويات الأسعار العالمية لمعظم السلع، مازالت الأسواق المحلية قادرة على التعامل مع مختلف التقلبات السعرية، وهي تعج بمختلف أصناف السلع دون أي انقطاعات تذكر، وضمن أسعار مقبولة لا تعكس سعرها الحقيقي في الأسواق العالمية.
نعم، مستويات الأسعار للسلع الأساسية هي أقل مما عليه من مصادرها ومما عليه لدى بعض دول الجوار، وهي أقل حتى مما يتداوله البعض على صفحات السوشال ميديا التي تستغل في إثارة الإشاعات وخلق حالة من الاحتقانات بناء على معلومات مضللة، لا تستند إلى معطيات حقيقية، فكيلو البندورة الذي وصل سعرها إلى 60 قرشا في فترة من الفترات باتت الخبر الرئيسي الذي يحتل أخبار المغردين في المجتمع مع كل أسف.
الحكومة ممثلة لعدد من الوزارات وتحديدا الطاقة والصناعة والتجارة والمالية استطاعت أن تتخذ تدابير وقائية في الأسواق، حمتها بشكل مباشر من تداعيات الارتفاعات الحقيقية الكبيرة لبعض السلع الأساسية، ولو لم تتخذ مثل هذه الإجراءات لكانت الخزينة تتعرض اليوم لضغوطات مالية رهيبة ساهمت في ارتفاعات غير مسبوقة في العجز والمديونية، حينها بلا شك كانت الحكومة ستلجأ إلى قرارات صعبة ستكون جيوب المواطنين وإيرادات القطاع الخاص هي من سيدفع ثمن هذه المواجهة.
فأسعار القمح ارتفعت بنسبة تجاوزت الـ 40 % في الأسواق العالمية، والحكومة استطاعت خلال الأشهر الماضية بناء احتياطات كبيرة تغطي احتياجاتها من القمح لأكثر من 17 شهرا، وهي الأعلى في المنطقة العربية، وهذه الكميات الكبيرة من مخزون القمح مكنت الحكومة من المحافظة على بيع الخبز بأسعار مدعومة أصلا دون أي زيادات، وتحميل المواطنين اعباء معيشية جديدة.
والأمر لا يختلف في إمدادات الغاز التي وقعتها المملكة لسنوات طويلة تصل لـ 25 سنة بأسعار منخفضة نسبيا عما هي عليه أسعار الغاز اليوم في الأسواق العالمية، ولو لم يكن هناك مثل هذه الاتفاقيات لكانت الخزينة تحملت أكثر من 1.25 مليار دولار لشراء غاز من أجل تشغيل محطات الكهرباء، مما سيدفع الحكومة حينها إلى زيادة أسعار التعرفة الكهربائية أضعاف ما هي عليه الآن، والمواطن والقطاع الخاص هما من سيدفعان ثمن هذه الارتفاعات.
والأمر لا يقتصر على السلع، وإنما أيضا امتد للسياسة النقدية، فوجود احتياطات ضخمة من العملات الأجنبية تناهز الـ 17 مليار دولار في غاية الأهمية، ورسالة قوية لبيئة الأعمال المحلية والمانحين والمؤسسات الدولية لاستقرار أدوات السياسة النقدية وثبات سعر صرف الدينار في مواجهة أي تقلبات.
التدابير السابقة حمت الخزينة من تداعيات الارتفاعات وتقلبات الأسعار العالمية، وجنبتها تحمل أعباء كانت بالإمكان ان تكون كبيرة وخطيرة على الموازنة والاستقرار الاقتصادي.
هذه التدابير التي لم تلق أي اهتمام من الشارع الذي دائما ما يشكك في مصداقية وجدوى كل سياسة رسمية دون تقييم حقيقي لها حمت جيوب المواطنين من استنزاف جديد كان بالإمكان أن يكون أكبر مما هو في المرحلة الراهنة نتيجة ارتفاعات الأسعار.
استقرار الأسعار في الأردن مرهون بتطورات الأزمات الخارجية وتحديدا تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي خلقت حالة من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي وبدأت تداعياتها السلبية تفرض نفسها كواقع حقيقي على العالم خاصة في مجال نقص الغذاء وارتفاع أسعار الطاقة والشحن، فإطالة مدة الحرب يعني ان قدرة الموازنة على الصمود في مواجهة الأسعار العالمية ستتراجع كثيرا، وستكون خيارات زيادة الضرائب والرسوم هو الخيار الأكثر منطقية وقتها.