الأردن اليوم – تطالعنا يوميا الأخبار وتتعالى الأصوات المحذرة من تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على الأمن الغذائي العالمي، وتنذر تقارير منظمة الأمم المتحدة بأن عددا كبيرا من الدول ومن بينها الدول العربية، أصبحت على مشارف مجاعة أكيدة.
فما تزال تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا تلقي بظلالها على مناح كثيرة في حياتنا، الأمر الذي يؤثر على نقص المخزون الغذائي في معظم دول العالم، لا سيما ان معظم الأراضي الخصبة الموجودة على الحدود بين أوكرانيا وبيلاروس وروسيا في الشمال ونحن كدول شرق أوسطية نستورد 42 بالمائة من القمح الروسي 40 بالمائة من القمح الأوكراني. وهذا أدى الى الارتفاع الكبير على أسعار السلع الغذائية الذي تشهده دول المنطقة بل اوروبا أيضا.
وكالعادة يبقى المواطن العادي أسيرا لجشع التجار الذين استغلوا هذا الوضع، وعلى المواطن أيضا أن يدفع ثمن الأسعار التي يريد أن يتكلفها المستورد ليستطيع أن يعوض نقص السلع ومن اماكن أخرى، خاصة ان هناك نوعاً من التقنين في التوزيع وأصبح من الطبيعي أن ترتفع الأسعار وتنقطع البضائع.
ولا نتهم التاجر او المورد فقط هنا، فإن الاحتكار يطال المواطن الذي يخبئ البضائع ويكدسها في منزله، وهذا ما شاهدناه في بدايات جائحة كورونا كيف تهافت المواطنون في أميركا واوروبا على السلع بشكل جنوني وأناني لم يسبق له مثيل. خاصة وإن علمنا انه من المتوقع اشتداد أزمة الجوع في العالم خلال العام الحالي، بحسب تقرير من الشبكة العالمية لأزمات الغذاء. ولعل أزمة ارتفاع الأسعار للسلع الغذائية والأساسية بدأت منذ بداية جائحة فيروس كورونا وتعمقت الآن اكثر مع الازمة الروسية الاوكرانية.
ومحليا، ما تزال ثقافة المقاطعة المنظمة غائبة عن السوق الأردنية، ويقتصر الأمر على حالات فردية واحيانا نداءات على وسائل التواصل الاجتماعي لكنها لم ترتق لحملات منظمة فاعلة. وتكون المقاطعة اجبارية بسبب غلاء السعر وليست طوعية بهدف المقاطعة.
وهنا لا يمكن اهمال مسألة ثقافة الشراء والتخزين في الحوار حول الاستهلاك والإنتاج المستدامين، حيث إنها تدفعنا لإعادة تفحص هويتنا وهدفنا من الحياة، على أعمق المستويات. لأن ثقافة الاستهلاك حولت البشر إلى مجرد مستهلكين شديدي النهم للسلع وإلى مُستهدَفين للتلاعب من قبل السوق، بالرغم من النداءات المتكررة لضرورة تشديد الرقابة على الاسواق وعدم التهاون بإيقاع أشد العقوبات بحق من يتلاعب بالأسعار ويستغل احتياجات المواطنين، الا أن هذا ليس سوى حل مؤقت، ولا يمكن أن يحدث تغييرًا عميقًا في عقول الناس وفي الهياكل الاجتماعية، فلابد من إعادة التفكير في طبيعة الثقافة المجتمعية للاستهلاك، وطريقة التعليم في المدارس التي يجب أن تكون مبنية على رؤية واضحة لنوعية المجتمع الذي نود العيش فيه، ونوعية الأفراد الذين سيحققون ذلك. كذلك التفكر مليًّا في الغاية من الحياة ومساعدتهم على فهم النتائج متعددة الجوانب لسلوكياتهم وتعديلها وفق ذلك.
إن درجة الوعي وروح الخدمة والتعاون المخلص واللازمين لتحويل التصرفات الفردية والقوى المؤسسية في اتجاه الإستدامة سيستلزمان تحولًا في العمليات التعليمية.
كذلك على الإعلام، بالإضافة إلى التجارة والأعمال، دفع القيم المتعلقة بالاستدامة إلى مقدمة الوعي العام. للوصول لرؤية أوسع لغاية المجتمعات ورخائها. ومع تراجع المد الجارف للنزعة الاستهلاكية والاستهلاك غير المنضبط والفقر المدقع والتهميش، ستتكشّف الطاقات الإنسانية الكامنة للعدالة والتعاون المتبادل والسعادة.