أفراح لا تكتمل إلا بضحايا أبرياء

كتب د. زيد النوايسة

تحويل مناسبات الفرح الى مآس إنسانية تترك آثارها مدى العمر على عائلات الضحايا، أمر يتكرر كل عام للأسف؛ خاصة في مواسم الزواج وإعلان نتائج الثانوية العامة وحفلات التخرج الجامعية، بالرغم من التحذيرات المستمرة من خطورة استخدام الأسلحة ومعظمها غير مرخصة.

هناك إصرار وتحد لسلطة الدولة والقانون وبمنطق جاهلي لا يعكس كل ما نردده عن التزامنا بكل ما هو جميل ونبيل وتكريسنا لقيم الخير والمحبة؛ هذا إذا استثنينا أن الحصول على الثانوية العامة أو حتى شهادة الدكتوراه لم يعد حدثاً خارجاً عن المألوف يستحق كل هذا الانتشاء بعد أكوام العاطلين عن العمل.

ربما يكون هذا رابع مقال لي الى جانب مئات المقالات التي كتبت في الصحافة والمواقع الالكترونية؛ تحذر من التساهل في التعامل مع هذا السلوك الذي تحول لظاهرة تلازمنا في كل المناسبات الاجتماعية ولكن للأسف دون جدوى بل زاد الإمعان والتحدي والرغبة في اظهارنا كشعب لا يأبه لا بتحذيرات الدولة ولا يقيم وزنا للقانون ولا بمشاعر عائلات الضحايا الأبرياء.

من أكثر المشاهد وقعاً على النفس؛ أن تشاهد دموع ام واب تعبوا على ابنهم وانتظروا ظهور نتيجته ليشق طريقه في الحياة ويسمعوا بدلا عنها خبر وفاته نتيجة سلوك ارعن ومتهور من شخص قرر أن يمارس الفرح بطريقته، وأن ترى طفلة تلهو امام منزل أهلها تصيبها رصاصة طائشة وتنهي حياتها وهي في بواكير الحياة، وأن يذهب شخص ليشارك أصدقاءه مناسبة زواج فيدفع حياته دون أي ذنب؛ هناك مئات القصص المؤلمة التي سمعنا عنها ونشجبها بأقسى العبارات لكن نقبل أن تتكرر امامنا للأسف.

قبل سنوات جسد الفنان الكوميدي موسى حجازين ما يجري في مقطع تمثيلي عندما خرجت عائلته والجيران لوداعه وبدموع غزيرة والسبب أنه قد لا يعود بسبب مشاركته في حفل زفاف قريب له؛ قد يبدو المشهد مغرقاً في السخرية ولكنها الحقيقة التي نعيشها.

ولعل السؤال المحير كيف يستوي تذمر الكثير منا والشكوى من صعوبة الحياة وضنك العيش وبنفس الوقت تهدر المبالغ الهائلة ثمنا للرصاص في تلك المناسبات، أسوق هنا حادثة شاهدتها شخصياً عندما دعيت لمناسبة زواج في أحد الأحياء التي تصنف ضمن المناطق الأكثر فقراً في الأردن قبل فترة؛ أصابني الخوف قبل الذهول من حجم استخدام العيارات النارية في منطقة سكنية مكتظة ولعل الملفت أن عملية إطلاق الرصاص لا تقتصر على أهل المناسبة والفرح بل كان أغلب القادمين للحفل وقبل دخولهم الخيمة المقامة للمناسبة ومعظمهم اطفال في سن المراهقة يقومون بإطلاق العيارات النارية من أسلحة أوتوماتيكية بطريقة أشبه بالجنون وفقدان التوازن وحمدت الله أني خرجت سالماً من المعركة.

من يضبط سلوك المجتمعات ليس فقط الدعوات والتمنيات على أهميتها بل الحسم في تطبيق القانون دون هوادة أو تردد؛ وتطوير مواد القانون لتتعامل مع الاستخدام الخاطئ وغير المبرر للأسلحة النارية باعتباره قتلا بسبق الإصرار والترصد؛ إذ ليس من المعقول أن تخضع الأمور لنظرية الاحتمالات الرياضية يا تصيب يا تخيب.

صحيح أن المسؤولية في الأساس على الدولة بمختلف مؤسساتها باعتبارها السلطة الآمرة التي تملك الردع وتطبيق القانون، ولكن هذا لا يعفينا كمجتمع؛ افرادا ومؤسسات دينية وأحزابا وعشائر بضرورة تجريم وإدانة هذا السلوك بل تحريمه دينياً لأنه يلحق الضرر بالناس ويؤسس للفوضى والكراهية وانعدام الثقة وحتى تكتمل افراح الناس بدون ضحايا لا ذنب لهم.