كتب محمد حسن التل
يعتقد الكثيرون أن الفقر فضيلة تصنع الرجال ، وأن المبتلى به له من الأجر الكثير ، وأن الفقر يصنع العصامية، وهذا قول مغلوط وفهم قاصر، فالفقر ذل وفاقة لا يولد لصاحبه إلا الانكسار ، وقد تعوذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده .
يقول الإمام محمد الغزالي رحمه الله: “يقنعونك أن الفقر ليس عيبا ، وأن الله يحب الفقراء أكثر وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان فقيرا ، وأن القناعة كنز لا يفنى ، وأن الطيبة هي رأس مال الفقراء ، وأن الأغنياء هم محض مصاصي دماء ، نوع جميل من المخدرات ستجعلك تستمتع في فقرك وتستلذ بحاجتك وترضى بضعفك وقلة حيلتك، لن يحدثوك عن عثمان، ولا عن طلحة ولا عن الزبير وغناهم ولا عن ابن عوف رضوان الله عليهم جميعا ، لن يحدثوك عن استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفر والفقر ، بل سيقولون لك لا بأس أن تكون فقيرا ضعيفا محتاجا ، ولن تنتقل إلى مرحلة تطالب فيها بأكثر من قوت يومك لتتساءل فيها عن الظلم والاستضعاف “إلى آخر كلام الشيخ عن الفقر وسوئه .
وروي عن الإمام علي كرم الله وجهه أنه قال: “لو كان الفقر رجلا لقتلته”، وعن أبو ذر الغفاري رضى الله عنه الذي روي عنه أنه قال: “عجبت لمن لا يجد قوت عشائه كيف لا يخرج للناس شاهرا سيفه” .
أجمع البشر منذ الأزل على أن الفقر أسوأ شيء يصيب الإنسان، وأن حاجة الفرد للآخرين أسوأ حال ، ويأتيك من يزين هذا الحال بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع .
كيف لفقير أن يكون طموحا ، وكيف لمحتاج أن يفكر في مستقبله ، الفقر في كثير من الأحيان ليس عيبا بصاحبه بل بمقدار وجود عوار في المجتمع ، فالمجتمع الفاشل تسوده الأنانية ويتفشى الفقر في جنباته كالنار في الهشيم ، لذلك أكد الإسلام وشدد على ضرورة التضامن بين الناس ، وحمل ولي الامر أينما كان مسؤولية محاصرة الفقر والقضاء عليه بترسيخ العدالة وإحقاق الحقوق للناس جميعا ، وشرعت الزكاة من أجل سد الثغرات في المجتمع، بل وجعلت صنو الصلاة ، وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ” والله لا يؤمن أهل عرصة وهم نيام وفيهم امريء جائع إن علموا” .
ولماذا قال الله عز وجل في القرآن الكريم :”المال والبنون زينة الحياة الدنيا ” ووضع المال قبل البنون لأنه إكسير الحياة بعد الإيمان ، فلا حياة بدونه ، ليشيروا لنا الذين يتغزلون بالفقر إلى فقير يباهي بفقره .. نسكن البيوت الفارهة ونحيا حياة الرفاهية، ونطالب الفقير أن يصبر وكأن الفقر تاج على رأسه .
كيف لنا أن نطلب من الفقير أن يصبر على فقره والرسول الأعظم طلب من الله تعالى الغنى ، فقال عليه السلام: “اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى”، وقرن بالاستعاذة بين الكفر والفقر : “اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر” ، وفي موقع آخر قال:”وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”، أوليس الدين وقهر الرجال هما نتيجة حتمية للفقر ؟!، والفقر في اللغة هو الحاجة ومشتق من انفقار الظهر وهي انكسار فقاره، وكأن الفقير مكسور الظهر ..
الفقر لا يولد الفضيلة كما يدعي البعض، ولا العصامية فهو لا يولد إلا البغض والحقد فلا يزين أحد لفقير فقره .
كلما ازداد الفقر في المجتمع اتضح عواره وفساده أكثر ، وعلى الفقير ألا يركن لفقره ويصدق قصة العفاف والزهد التي يشغلونها به، فالعفاف للغني الذي يترفع عن الشهوات والترف والإسراف والزهد لصاحب المال الكثير لكنه يحيا حياة البسطاء، فكيف لفقير أن يكون زاهدا، وأي عفاف لفقير لا يملك شيئا إلا فقره وحاجته.
لا يحق لأحد أن يحتج، أن الفقر لدينا في الأردن خرج من بين “ظلماته” زعامات وقيادات ومفكرين وعلماء، فالمجتمع آنذاك كان بسيطا ولم يكن فقيرا، وكان في معظمه على نفس السوية الاجتماعية، يعيش على الزراعة ونوعا من التجارة الصغيرة، وكان مجتمعا متماسكا قويا لا يسمح للفقر أن يتسلل إليه قدر المستطاع، فكانت النتيجة هذه الزعامات والقيادات والعلماء الذين بنوا وطنا ودولة، فبساطة المجتمع بمفهومها الدقيق مختلفة عن الفقر والأنانية، فكفوا عن التغني بصبر الفقير وجوعه وعملوا على تخليصه من فقره فكلنا مسؤولون أمام الله تعالى عن كل فقير نعلم بفقره.