كتب د. موسى الرحامنة
الضجة الكبرى التي أحدثها مشروع قانون حقوق الطفل، والجهل المطبق الذي أظهره بعض النواب أثناء مناقشة المشروع، دعاني لإعادة قراءة نصوص المشروع الذي يقع في (32) مادة، وكذلك قراءة نصوص اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والتي تقع في (52) مادة.
وعليه وإستجلاءً لأي لبس وتعزيزاً للفهم فإنني أورد النقاط التالية لينتفع من أراد الانتفاع؛ ولأنتفع من التعليقات التي ربما تثار.
أولاً: وقّعَ الأردن على هذه الاتفاقية في شهر أيار عام 1991، بعدما وجد أنها تتوائم مع أحكام ومبادئ القانون الوطني وليس هناك تعارض بين أحكامها والتزامات الأردن كطرف في الاتفاقية.
ثانياً : تمت المصادقة على هذه الاتفاقية بموجب القانون قم (50) لسنة 2006 والذي نشر مع الاتفاقية في الجريدة الرسمية.
ثالثاً : تطبيقاً لمبدأ سمو المعاهدات؛ تحتل المعاهدات الدولية المرتبة الثانية بعد الدستور وفق قاعدة التدرج الهرمي للتشريعات، وهي تسمو على القوانين الوطنية، وهذا ما استقر عليه اجتهاد محكمة التمييز الموقرة في الكثير من قراراتها، وقد تم إجراء العديد من التعديلات على بعض التشريعات حتى تكون أكثر انسجاماً وموائمة مع الاتفاقية .
رابعاً : كانت لجنة حقوق الطفل التي تتولى رصد ومتابعة تطبيق هذه الاتفاقية والبرتوكولات الملحقة بها قد أبدت قلقاً إزاء المركز القانوني لاتفاقية حقوق الطفل في الأردن، وأوصت اللجنة في وقت سابق بالتعجيل بسن قانون حقوق الطفل وتخصيص الموارد اللازمة لتنفيذه، والحكومة الاردنية على موعد مع لجنة حقوق الطفل الأممية لمناقشة التقرير السادس، ولمن يجهلون آلية عمل لجان حقوق الانسان، فمجلس حقوق الانسان يعتمد نهجاً يسمى الاستعراض الدوري الشامل(Universal Periodic Review) فهذه اللجان المنبثقة عن بعض المعاهدات تتعهد بزيارة جميع الدول بلا استثناء وبشكل دوري لتقوم بالرصد والمتابعة والاستعراض الشامل وليس مجرد ( وقِّع ودير ظهرك)
خامساً : وقد أُعِدَ مشروع قانون لحقوق الطفل عام 2004، وعرض على مجلس الأمة إلا إنه عام 2008 سُحب من مجلس الامة بحجة أنه لم يكن سوى ترديدً لذات الحقوق الواردة في الاتفاقية، ويحتاج الى ترجمة لالتزامات فعلية، وقالت اللجنة في تقرير لها أن الحقوق تحتاج الى نصوص مباشرة ومفصلة، لأن الحقوق الواردة في الاتفاقية جاءت بصورة موسعة، كما أن الامر يحتاج الى إجراءات خاصة بالتعامل مع هذه الحقوق وهو ما أغفله مشروع القانون .
سادساً: أبدى الاردن حين التوقيع على الاتفاقية تحفظات على الاتفاقية وفقاً للقواعد الدولية التي تواترت عليها اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 في المادة (19)، ولم تزل هذه التحفظات سارية والتي شملت المواد (14، 20، 21) والمتعلقة ( بحرية الفكر والوجدان والدين والتبني)، وهذه التحفظات لا تمس حقوق الطفل الأردني، وإنها موضع حماية التشريعات الوطنية وفي مقدمتها الدستور الذي يمنح الحق بحرية الفكر والوجدان وممارسة الشعائر الدينية، وأن حظر تغيير الطفل لدينه هو شكل من أشكال الحماية التي يمنحها التشريع للطفل وحفظاً للحقوق الشرعية التي تمنح له دينياً. وإن التحفظ على النص الخاص بالتبني، لا يخل بحقوق الطفل والبيئة الأسرية البديلة التي يتم تأمينها بناء على نظام الكفالة الإسلامية والاحتضان وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، ومن ذلك وضع الأسس والضوابط لعملية التبني والكفالة بما يضمن توفير أكبر قدر ممكن من الحماية .
سابعاً : مع أنني أحتفظ ببعض التوجس من بعض مشاريع القوانين التي تعرض على مجلس النواب في دوراته الاستثنائية؛ خشية أن لا تأخذ حصتها في النقاش والمداولة، إلا إن الحاجة الى الإسراع في إدراج مشروع القانون على جدول أعمال هذه الدورة الاستثنائية له ما يبرره، فهذا القانون طال أمدُ انتظاره، فقد مضى على توقيع المعاهدة أكثر من ثلاثين عاماً وتم التصديق عليها قبل ستة عشر عام، وأُذكّر بعض النواب من أصحاب الصوت المرتفع في غير مواضعه بأن الغالب الأعم من نصوص هذا القانون جاءت توفر مستوى عالٍ من الرعاية والحماية للطفل، فليس من مبرر القول بأن هذا القانون كله خطأ على حد زعم أحد النواب الذي كان يدخل في مهاترة وجدال وليس نقاشاً نافعاً وقد ذكّرني بمقولة ماكدو : ” من المستحيل هزيمة رجل جاهل في نقاش ” .
ثامناً : صحيحٌ، أن بعض المنظمات الدولية غير الحكومية، وبعض مؤسسات المجتمع المدني تدفع باتجاه رفع وسحب هذه التحفظات على المواد الثلاثة السالفة الذكر، لكن كل محاولاتها لغاية هذه اللحظة قد باءت بالفشل، وليس هناك ما يلزم أي دولة أن تسحب تحفظاتها إلا إذا كانت مثل هذه التحفظات ممنوعة إبتداءً أو أنها تتعارض مع هدف المعاهدة أو الغرض منها وهذا ما أشارت اليه ايضاً المادة (51) من اتفاقية الامم المتحدة لحقوق الطفل إضافة الى إتفاقية فيينا .
تاسعاً : أخيراً، كنت أتمنى لو سلكت الدول العربية مسلكاً واحداً وأبدت تحفظاً عاماً وهو ما فعلته العربية السعودية، بالتحفظ على كل نص يتعارض مع الشريعة الاسلامية السمحة؛ ولكن قد يبدو ذلك أمنية صعبة في ظل هذا التفاوت والتناوش في أوضاع الدول العربية،….والله المستعان .