تعلمٌ عن بُعد أم بُعدٌ عن التعلم

كتب جهاد عبدالله ابو الربع

نسمع بين الحين والآخر آراءً تهاجم بحدة التجربة الأردنية في التحول للتعلم عن بُعد خلال جائحة كورونا، عبرت في أغلبها عن آراء غير المختصين والتربويين؛ حيث أصدروا حكمهم القاطع على التجربة بأنها كانت فاشلة، وبأن التحول كان بُعداً عن التعلم، وليس تعلماً عن بُعد.

هذه الاتهامات تفرض على المختصين أن يتحملوا مسؤولية الدفاع عن النجاحات التي تحققت، من خلال تعزيز الإيجابيات والبناء عليها، مع الاعتراف بوجود سلبيات يجب العمل على معالجتها وتفاديها مستقبلاً.

ولنجاح هذه المهمة لا بد من الانطلاق من عدد من الأسس، التي يجب أن نؤمن بها، ونعمل على تحقيقها وتوضيحها لكافة أفراد المجتمع ومؤسساته.
أولاً، التعلم عن بُعد هو نمط تعلمٍ مطبق قبل الجائحة وليس نمطاً مستحدثاً، فمثلاً الجامعة الأردنية درست قبل الجائحة عدداً من المساقات بالتعلم عن بُعد كمتطلبات الجامعة.

كما أن التعلم عن بُعد يحقق مبدأً تربوياً ملحاً في التعليم المعاصر يتمثل بأن يكون المتعلم هو محور العملية التعليمية، كما أنه يساعد على التحول من التعليم بالتلقين والتلقي إلى التعلم الذاتي والمستمر، ويعزز لدى المتعلم مهارات ضرورية في الوقت الحالي؛ كالتفكير الناقد وحل المشكلات والتواصل والابتكار.

ثانياً، التعلم عن بُعد هو أحد التطبيقات المتعددة للتعلم الالكتروني. ولا يخفى على أحدٍ بأن توظيف التكنولوجيا في التعليم لم يعد خياراً بل ضرورةً، والسؤال الآن أصبح: كيف نوظف التكنولوجيا في التعليم؟ ولم يَعُدْ: هل نوظف التكنولوجيا في التعليم؟.

ثالثاً، التعلم عن بُعد لا يلغي دور المدرس، وهذا ينطبق على التعلم الالكتروني بشكل عام، فلا بد للمدرس أن يعي بأن التكنولوجيا تساعده في أداء دوره وتحقيق ما هو مطلوب منه على أكمل وجه، من خلال ما توفره من خيارات متعددة في طرق التدريس واستراتيجياته، والتي لا تتوافر في البيئة الاعتيادية.

رابعاً، التعلم عن بُعد لا يعني حصراً توفير التكنولوجيا كأجهزة، فامتلاك الأجهزة التكنولوجية بحد ذاته ليس هو الحل السحري؛ فيجب أن يرافق ذلك تطويرٌ للمناهج وتصميمٌ للتدريس وتدريبٌ للمعنيين وتحديثٌ للتعليمات والقوانين بما يتوافق مع فلسفة التعلم الالكتروني ومزاياه.

خامساً، التعلم عن بُعد يفرض عدداً من التحديات كالخصوصية وحقوق النشر، وعليه فإن تطبيق هذا النمط يجب أن يرافقه التركيز على الأخلاقيات المتعلقة به كاحترام الآخرين والملكية الفكرية.

وبناءً على هذه الأسس فإن التجربة الأردنية في التعلم عن بُعد -خاصة في الجامعات- كانت تجربةً ناجحةً نسبياً، وإن ظهرت بعض العيوب والسلبيات التي يمكن تفاديها مستقبلاً، وعلى الجامعات أن تعطي أهمية لتطبيق تعليمات إدماج التعلم الإلكتروني والتي أقرها مجلس التعليم العالي مؤخراً، والتي تمثل خارطة الطريق للوصول الى تعلم فعال وذي معنى.