كتب د. أشرف الراعي
قبل نحو 13 عاماً وكنت حينها أعمل صحافياً في صحيفة “الغد” اليومية الأردنية، .زارني في مقر الصحيفة والد أحد الطلبة في إحدى المدارس الحكومية، وقد كان والد الطفل في حالة نفسية يرثى لها والسبب تعرض ابنه للضرب على يد أستاذه في المدرسة، “الطفل تعرض لضربة شديدة أفقدته عينه”، نعم فقد عينه لأن أستاذ المدرسة ظن حينها أنه يقوم بواجبه في تربيته!.
حينها، أثيرت القصة إعلامياً واستضاف رئيس الوزراء سمير الرفاعي الطفل بعد أن أجريت له عملية جراحية تم تركيب عين اصطناعية له خلالها، لكن المشكلة أن حجرة العين بدأت تكبر مع تقدم الطفل في العمر، وهو ما أثار تخوفات عائلته، وفتحت القصة حينها العديد من القصص التي زارتني لاحقاً في الصحيفة لأطفال تعرضوا للضرب والإيذاء في المدارس الحكومية، كان أحدها وأبرزها وأكثر ما أثار استغرابي “طفل آخر فقد عينه أيضاً في منطقة الشونة” نتيجة تعرضه للضرب على يد أستاذه (مرفق رابط الخبر) والذي تم معالجته من طبيب جلالة الملك الخاص حينها في رسالة ملكية لمنع الضرب في المدارس مطلقاً.
مناسبة الحديث، حوار ثار بيني وبين أحد الأصدقاء الفيسبوكيين بالأمس حول جدوى الضرب بعدما صدر تعميم وزارة التربية والتعليم – وهي خطوة تقدر – بعدم جواز الضرب في المدراس وعدم استخدام العقاب البدني تحت طائلة المسؤولية القانونية، فكنت معارضاً للضرب، أما هو فرأى في الضرب وسيلة لتربية الجيل القادم، والدليل على ذلك أن جيلاً من المهندسين والأطباء والمحامين والعلماء تعرضوا للضرب على يد معلميهم وهم اليوم من أفضل الناس.
وربما ولكوني أعمل في المجال الصحافي والقانوني على حد سواء، فإن عرض هذه الحالات وحده لا يكفي إذ لا بد من التعرض لجريمة الإيذاء التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان بموجب قانون العقوبات الأردني؛ فالله عز وجل كرم الإنسان ومنع إهانته حيث يقول عز وجل في محكم كتابه “ولقد كرمنا بني آدم” صدق الله العظيم، وهو ما ينعكس على التشريعات القانونية، وهو ما سأستعرضه ابتداءً ثم نشير إلى أهمية قانون حماية الطفل مرة أخرى.
1-وفقاً للمادة (333) من قانون العقوبات الأردني فإن: “كل من أقدم قصدا على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه بأي فعل مؤثر من وسائل العنف والاعتداء نجم عنه مرض أو تعطيل عن العمل مدة تزيد على عشرين يوما، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات، ويكون الحد الأدنى للعقوبة سنة إذا استخدم سلاحاً.
2-أما الإيذاء البسيط في القانون الاردني، وهو الذي لا يؤدي لتعطل المجني عليه عن العمل لأكثر من عشرة أيام، وهو أبسط أنواع الإيذاء البسيط، وهذا الإيذاء يتطلب شكوى من المجني عليه، وإذا تنازل عنها سقطت تبعاً لها دعوى الحق العام، حيث تنص “المادة 334” من قانون العقوبات على أنه “إذا لم ينجم عن الأفعال المبينة في المادة السابقة أي مرض أو تعطيل عن العمل أو نجم عنها مرض أو تعطيل ولكن مدته لم تزد على العشرين يوما عوقب الفاعل بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين، ولا يجوز في هذه الحالة تعقب الدعوى بدون شكوى المتضرر كتابة أو شفهيا وفي هذه الحالة يحق للشاكي أن يتنازل عن شكواه الى أن يكتسب الحكم الدرجة القطعية ، وعندئذ تسقط دعوى الحق العام”.
وهنا لن أتحدث عن الضرب المفضي إلى الموت .. مع عدم استبعاد هذه النظرية من إمكانية تعرض أحد الطلبة للموت نتيجة تعرضه للضرب على يد أحد أساتذته، وليس هذا فحسب بل ينص مشروع قانون حقوق الطفل في البند (ج) من المادة (24) – الذي أؤيده – على أنه “يُتاح للطفل الاتصال مع مقدمي خدمات المساعدة القانونية دون أي قيد”، حيث أن هذا البند يعد من أهم البنود في القانون؛ فما الذي يمنع الطفل من التواصل مع خدمات المساعدة القانونية في حالة تعرضه للضرب والأذى، وهي مسؤولية ملقاة أصلاً على عاتق وزارة التربية والتعليم؛ حيث تنص المادة 16 / ج في مشروع القانون على أن “تقوم وزارة التربية والتعليم بالتنسيق مع الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات التي تكفل توفير برامج التوعية المتعلقة بنمو الطفل وتطوراته الجسدية والنفسية وصحته الجنسية وضمان تثقيفه وتوفير التربية الصحية له في كافة المراحل التعليمية بما يتوافق مع سنه وإدراكه”.
إن حماية حقوق الطفل لا تنطلق فقط من التشريعات القانونية الداخلية بل من التزامات دولية؛ حيث صادق الأردن على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1991 والتي تضمنت ضرورة اتخاذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية وغيرها من التدابير الملائمة لأعمال الحقوق المعترف بها في الاتفاقية مع تحفظه على بعض المواد، وذلك لحماية الطفولة.
هذا كله من الناحية القانونية ومن الناحية الفعلية لبعض الحالات التي شاهدتها بأم عيني.. أما من ناحية منطقية؛ فنحن اليوم نعيش الثورة الصناعية الرابعة ونعيش تقدماً وتطوراً في كافة المجالات، ومن هنا هل يجوز العودة إلى أسلوب بالٍ قديم لم ينتج إلا جيل مهزوز في الدفاع عن حقه.
الضرب ممنوع وهو ليس للإنسان ولا يصلح حتى للحيوان، فلقد خلقنا الله عزوجل لنحمي أطفالنا ونحمي طلبتنا ونربيهم ونرعاهم ونحبهم ونساعدهم على مواصلة حياة كلها صعوبات بإيمان وثقة وعلم وتواد وتراحم، أحسنت وزارة التربية في هذا المجال.
وأخيراً، لا بد من أن أشير إلى كلمة لصاحبة الجلالة الملكة رانيا العبدالله في هذا المجال في العام 2008 خلال تكريم المعلمين بجائزة الملكة رانيا للمعلم المتميز حيث قالت جلالتها: “أريد أن أطرح قضية أمام هذا الحشد المتميز من المربين الأفاضل، لدى الأردن الكثير من المعلمين المتميزين، ولدينا آخرون في مدارسنا تجاهلوا عنصر التربية في أساليب تعليمهم، مدرسون سمحوا لانفسهم بضرب الأطفال عقابا على تقصير المدرسين أنفسهم في الاستثمار في تقويم الطلبة أو توجيههم أو تعليمهم”.
كما لا أغفل دور بعض الأهالي في تفادي أن يصبح الضرب والقذف والاهانة ردة فعل تلاميذنا، للأسف في مدارسنا حالات متزايدة من ضرب التلميذ، وضرب المعلم. أين التربية من هذا التعليم؟.
نشد على أيدي هذا الجمع المميز المسؤول، معلمين ومديرين ومسؤولين ألا تغضوا الطرف، وأن تكترثوا لجروح وندوب نفسية قد لا نراها .. لكنها صعبة المداواة .. وقروحها مُعدية “.
كما كتبت جلالتها مقالاً بعنوان “ضرب أطفالنا خط أحمر في العام 2008” جاء فيه “نشجع الحوار دائما، لأنه جزء من علاج أي مشكلة، لكن ضرب تلاميذنا خط أحمر لا يقبل تجاوزه بأي حال من الأحوال، متى أصبح الضرب في المدراس مقبولا، متى قبلنا وتقبلنا أنه “خفيفه وثقيله” جزء من تعليمنا ومشهد لا يستدعي التوقف عنده؟!، لكن أطفالنا لا يذهبون الى المدرسة لتعلم منهاجهم فقط، فالمدرسة لاثني عشر عاما، هي مجتمعهم الصغير، الذي يمثل كل قيمنا، و معتقداتنا، مجسم صغير لواقعنا، و هناك يتعلم الطفل للمرة الاولى كيف يتعامل مع عالمه، مع واقعه، مع أردنه”.