إن الأخطاء وما علاها من تسيب وهدر للمال وغير ذلك والتي يصرح عنها من احد القلة من المسؤولين السابقين، سواء حدثت بحكم عمله وكان مطلع عليها او كانت نتيجة لقرار أُتخذ بآلية التصويت الجماعي وكان شريك بصنعه، او كانت نتيجة لتقرير ما خلصت إليه لجنة عامة او لجنة تحقيق أمر بتشكيلهما او كان عضو فيهما، او حتى ان كانت بناء على استشارة أُخذ بها وكان لديه القليل من التوجس بصحتها، او كانت نتيجة لتعليمات جديدة تخللها العديد من الشوائب، فألم يكن من الحصافة الإدلاء برأيه تجاه اي مما سبق والسعي من خلال كل القنوات المتاحة لديه لعمل الإجراء المناسب لاعادة أي امر لنصابه الصحيح، فلماذا ترك الوضع على عواهنه، الا يحق لنا ولو على اقل تقدير أن نلومه على عدم اكتراثه وصمته السابق؟
ونأتي للجانب الآخر الثاني وهو ايضا يتعلق بأحد قلة القلة من المسؤولين السابقين وهو الذي لا يصرح بأي انتقاد وعلى العكس تماما فهو يكيل كل أنواع المديح لما كان وما جرى وبكل نشوة وتفاخر يذكر لنا انه قد امضى كامل خدمته بذلك الموقع بدون أن يرتكب أي خطأ، لنكتشف لاحقا انه لم يتخذ أي من القرارات الواجبة لتغيير اي شئ يتعلق بتحديث وتطوير مؤسسته ولم يسعى قيد انملة للارتقاء بمستوى ادائها، لذلك كانت هذه المعادلة الوظيفية صحيحة، لكنها بالحقيقة غير حميدة، فهي الصفر من الإنجاز والتطوير والتحديث تقابل الصفر من الأخطاء.
أما لو ابحرنا باتجاه الجانب الثالث المشرق فيجب اعطاء كامل الثقة للمسؤول المجتهد وعدم الوقوف على اي خطأ بسيط قد يحدث نتيجة إقباله على أي من التحديث والتطوير، فالذي يعمل بجد وإخلاص كلما ازدادت انجازاته زاد احتمال وقوع بعض الأخطاء فيها، فمن الطبيعي ان بعض الإجراءات الجديدة لا يمكن الحكم عليها إلا بعد تجربتها، لذلك يجب أن يكون لهذا المسؤول الذي يطور ويحسن من المستوى العام لمؤسسته بعد كل الثناء والتقدير الكثير من المرونة، ولم ولن يوضع بنفس كفة الميزان للذي لا يعمل شيئا فلا يخطئ ابدا بشيء.
دائما يوجد أمام الفرد بحياته عدة خيارات، أما في مجال العمل بالقطاع العام أو الخاص فهناك فقط خياران اثنان لمن يشغل أي وظيفة قيادية، فالخيار الأول هو طريق كله راحة وهدوء معبد بالرتابة والروتين، انتظار للراتب نهاية الشهر، وعيون من طين وأذان من عجين، وضمير مطيع وساكن، وحديث رقيق رقراق، لينهي الفرد مسيرته كرقم مر من هناك، أما الخيار الثاني فهو طريق الكفاءة والنزاهة، طريق لا يسلكه الا المخلصون الانقياء الذين لا يمكن إن كلفوا بإدارة أي موقع إلا وقد كانت لهم بصمات واضحة من التميز والابداع والانجاز، هم يتحدون كل الصعوبات فيذللونها، غايتهم خدمة المواطن، لا يرون الموقع الذي يشغلونه الا كتكليف وليس بتشريف، فكرهم دائما مشغول بالتطوير والتحديث للأداء، عيونهم لا تغض الطرف عن أي تقصير، وبعد مغادرتهم عند ذكر اسمهم تفوح رائحة عطر جميل تحملها نسمة طيبة تمر من بين الأروقة والممرات لتهمس في أذنك نعم كانوا هنا، هؤلاء هم أبنائي، أبناء الأردن الأوفياء.