تعجّ الغرف والمواقع الإلكترونية ومجموعات الواتس آب والتيليغرام بالدعوة لمؤتمرات ومحاضرات وندوات تدعى بالعلمية والتي أصبحت تنوء بها الشبكة العنكبوتية بعد أن تحولت في معظمها إلى أن يتم عقدها عن بعد عبر الفيديو كونفرنس والذي تطور بشكل مذهلٍ مع جموح جائحة كوفيد – 19 عندما اضطر العالم لتسيير شؤونه من خلال التباعد “عن بعد”.
لقد أصبحت العملية لا تعدو كونها أكثر من تجارة وشطارة، وتسطحت المعرفة والعلم الرصين ليتحول إلى جلساتٍ ساذجةٍ فاضحةٍ يتم اختتامها بتوزيع شهاداتٍ لا تحمل أدنى قيمة علميةٍ لها.
تكتشف الأمر والمؤامرة على الرصانة العلمية لأية فعالية تسمى بالمؤتمرات عبر ظواهر عديدة تبدو ضمن ملفات الترويج لها، حتى أن الجامعات انساقت وراء مثل هذه المؤتمرات لمجرد أن يكون لها حضور تزعم من خلاله تنفيذها لأحد مؤشرات التقييمات والتصنيفات المعتمدة عالمياً.
لقد كثرت هذه الأيام المؤتمرات المفترسة والوهمية والزائفة، وكثر عدد المشاركين فيها، بعضهم عن معرفة بزيفها والبعض الآخر وقعوا في حبائلها لضعف المعرفة وقلة الخبرة.
إن كثيراً من الجمل الهراء وعديمة المعنى أو غير المفهومة، تقرأها في كثير من البحوث المشاركة في المؤتمرات، ولكن لا يبدو أن هذه الحقيقة تزعج منظمي هذه المؤتمرات كثيرا، لأنهم يقبلوا الأوراق دون مواربة طالما أن المشاركين يدفعون الأجور.
المؤتمرات الزائفة مثل المجلات المفترسة، غالباً ما يتم تنظيمها من قبل شركات ربحية تستغل حماس الأكاديميين والباحثين في بداية حياتهم المهنية للنشر والتقديم، إذا تم خداعك لحضور مؤتمر مفترس، فيمكنك أن تنظر إلى جدول زمني مليء بالمذكرات المنقولة، والتنظيم الخاطئ والبرنامج العلمي ذي الجودة الرديئة، وذلك قبل أن تأخذ في الاعتبار تكلفة رسوم التسجيل والسفر والإقامة والعمل الذي تتطلبه المشاركة.
تواجه الأبحاث العلمية تهديداً مباشراً لشرعيتها، عادة لا تهتم المؤتمرات الوهمية بمراجعة الأقران أو تتخطاها، وهي العملية التي سيخبرك أي منظم مؤتمر حقيقي أنها الأساس لبناء برنامج عالي الجودة.
يتم إدارة المؤتمر الوهمي من قبل شركات هادفة للربح قد تقدم نفسها على أنها غير هادفة للربح، وغالبا ما يرسلون الأوراق المقبولة إلى المجلات المفترسة المعروفة والتي يمكن أن تكون مفهرسة في سكوباس أو غيرها، ولا ينشرون كتابا عن وقائع المؤتمر، والنتيجة هي أرباح كبيرة للمنظمين، ويترك للأكاديميين والباحثين قليل من الفائدة فيما عدا الادعاء بحضور مؤتمر علمي، ومع مواقع الويب الرائعة والمليئة بالأكاذيب، ليس من السهل دائما التمييز بين مؤتمر وهمي وآخر شرعي.
يمكن استخدام هذه القرائن لاكتشاف “وهمية” أي مؤتمر:
1. عنوان المؤتمر مفرط في الطموح: هل يبدو عنوان المؤتمر أكبر من اللازم بالنسبة لامكانياته؟، “دولي” و “عالمي” هما كلمتان طنانة يستخدمهما منظموا المؤتمر لجذب مقدمي العروض المحتملين. وإذا استخدم المنظمون إسما يشير إلى أنهم مقيمون في بلد ما عندما يبدو أنهم يعملون بالفعل خارج بلد آخر، ” فاركضوا بعيدا عنهم”.
2. البرنامج العلمي واسع، واسع جدا، هل يحاول وصف البرنامج العلمي للمؤتمر تغطية كل شيء ما عدا “محتويات المطبخ”؟، لقد أصبحت الغاية تجارية بحتة بعد أن صارت المؤتمرات الوهمية تتضمن فعالياتها عشرات المحاور العلمية المتشعبة، المؤتمرات التي لا يبدو أنها متخصصة بأي شكل من الأشكال، أو التي تحاول الجمع بين تخصصات مختلفة بطرق غير عادية، من المرجح أن تفتقر إلى المصداقية، يمكن أن يكون مصطلح “متعدد التخصصات” خدعة كبيرة.
3. يطغى على البرنامج البعد الترويجي والسياحي وبأسعار تفوق كلفة السياحة الحقيقية، ما الداعي لعقد مؤتمر علمي باللغة العربية كمثال في جزر المالديف أو جزر كناري أو منتجع في شمال إسبانيا أو شرم الشيخ.
4. كثرة الرعاة واكتظاظ بأسماء اللجان العلمية والتحضيرية والتنسيقية والشخصيات الأميرية أو السياسية بطريقةٍ لا ارتباط بينها وبين الأكاديمية العلمية للمؤتمرات.
5. اللغة على موقع المؤتمر تعج بالأخطاء الأملائية: يمكن أن يكون المحتوى المكتوب بشكل سيء علامة جيدة على أن المنظمين الذين يقفون وراءه أقل من كونهم منظمين شرعيين. من النادر جداً العثور على موقع ويب شرعي لمؤتمر به “أكوام” من الأخطاء النحوية والإملائية.
6. منظمات أو مؤسسات مشهورة ترعى مؤتمرا غير بارز: هل هناك عدم تطابق كبير بين الملف الشخصي للمؤتمر والملف الشخصي للجهات الراعية له؟ غالبا ما يتم حشر أسماء جامعات من مختلف دول العالم، ويعُرف عنها سرد أسماء القادة العلميين في مجال المؤتمرات من دون معرفتهم بذلك لخداع الباحثين ودفعهم للمشاركة.
7. تفاصيل الاتصال بالمنظمين مفقودة أو ليست صحيحة تمامًا أو أنه لا يمكن التواصل إلا بشكلٍ محدودٍ جداً، غالبا ما تحاول المؤتمرات المفترسة الخداع عن طريق إخفاء تفاصيل الاتصال أو الاختباء خلف أرقام الهواتف المزيفة أو صناديق بريد أو بريد إلكتروني شخصي.
8. يوجد بالفعل مؤتمر آخر يحمل إسما مشابها عند البحث عن إسم المؤتمر، فالمؤتمرات المزيفة تعطي إسماً شبه مطابقٍ لمؤتمر راسخ ومحترم.
9. ارتباط المؤتمر أو منظميه بمؤسسات مشبوهة: عندما تبحث في المؤتمر أو منظميه، هل تجد روابط لمجلات أو مؤتمرات مفترسة معروفة؟ نادرا ما يعمل هؤلاء المنظمون المشبوهون بمفردهم.
10. يتقاضى المنظمون رسوماً أعلى من المعتاد: هل رسوم المؤتمر أعلى من المستوى القياسي المتعارف عليه؟، بالتأكيد يمكن أن تختلف رسوم المؤتمرات، ولكن من الممارسات الشائعة لمنظمي المؤتمرات الوهميين فرض رسوم تسجيل عالية لتعظيم أرباحهم.
يبدو الأمر وكأنه اختلطت الأمور فيه، فلم تعد الجهات المعنية فعلاً معنية، وأصبح بإمكان أياً كان فعل ما كان في أي وقتٍ وأي مكان.