في وقت الرحيل المفاجئ والغياب الصادم للدكتور سمير مطاوع يصبح الحديث عنه صعبا ومؤلما. فهو إعلامي معروف ودبلوماسي قدير وسياسي بارع صاحب خبرة وباحث في القضية الفلسطينية ومؤرخ صاحب موقف.
بدأ الدكتور سمير مطاوع حياته العملية صحفيا ومذيعا في إذاعة عمان وانطلق بعدها إلى إذاعة هولندا العالمية وهيئة الإذاعة البريطانية ثم التلفزيون الأردني منذ بدايته ليكون نجم الشاشة الصغيرة. وعندما عاد إلى هيئة الإذاعة البريطانية في السبعينات أكمل تعليمه الجامعي متوجا ذلك بالدكتوراة وموضوعها الأردن في حرب 1967. وهو ما أتاح له العمل بمعية الملك الراحل الحسين بن طلال في الديوان الملكي الهاشمي. ثم تولى حقيبة الإعلام في وزارة عبد السلام المجالي الثانية ثم كان أول سفير أردني في مملكة هولندا. وفي العام الماضي تم تعيينه عضوا في مجلس الأعيان.
ومنذ أن ترك التعليم الجامعي تفرغ الدكتور مطاوع للدراسات والأبحاث المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي. فقدم العديد من الكتب والبحوث والدراسات والمقالات والمحاضرات واضعا فيها نتاج فكره وخلاصة تجربته التي لم تأت من فراغ بل كانت تجربة ثرية وفيها بعض المعاناة والمغامرة التي تجعل منها تجربة صادقة ومؤثّرة.
قراءة كتب ومحاضرات وأوراق ومقالات الدكتور سمير مطاوع في السياسة العربية الراهنة والقضايا الإقليمية والدولية تجربة ممتعة وإضافة نوعية وخصوصا أنها تغطي مراحل من الحياة السياسية العربية والأحداث الساخنة التي مر بها المشرق العربي وعلى الأخص منها ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي لها مكانة خاصة في كتاباته.
تجاربه في الميدان العام في السياسة والعمل الرسمي في الحكومة والدبلوماسية يجعل من أعماله الأكاديمية دروسا ينتفع بها القارىء والباحث وفيها من الأفكار والمعلومات التي استمدها من مصادرها الأساسية والمباشرة فكانت بذلك غنية بحدّ ذاتها ومفيدة.
كان سمير مطاوع متميزا في كل شيء وله أسبقية في أشياء كثيرة. كبير المذيعين في (بي بي سي)، وأول مذيع عربي يظهر على شاشتها الإنجليزية وساهم في تقديم برنامج إخباري فيها London This Week .
في مسيرته الصحافية كان مغامرا إلى درجة كبيرة وكان أول صحفي عربي وربما في العالم يقابل الزعيم الكوبي فيدل كاسترو خلال الحصار بعد أزمة الصواريخ عام 1962. وكان الوحيد من بين الصحافيين العرب في العامين 1961 و1962 الذي منح الحق الحصري في تغطية مفاوضات الثوار الجزائريين مع فرنسا من اجل الاستقلال ونال أيضا حق مرافقة الرئيس الجزائري أحمد بن بلة في جولته الشاملة عبر الجزائر في الذكرى الأولى للاستقلال. أخبار مرافقته للرئيس بن بلة وصلت إلى الرئيس جمال عبد الناصر فاستدعاه لمقابلته والاستفسار منه عن الجزائر وثورتها وزعمائها.
كان مؤسسا لجريدة القبس الكويتية وأول مدير عام لها. وطوال مسيرته الإعلامية أجرى مقابلات صحفية وتلفزيونية مع أكثر من عشرين رئيس دولة في الشرق والغرب. ومع انه عمل في الإعلام منذ مطلع شبابه إلا انه اتبع ذلك بالعمل البحثي والدراسات بعد سنوات من الانخراط في العمل السياسي والحكومي والديبلوماسي والأكاديمي.
تجربته في العمل بمعية الملك الحسين سنوات عديدة جعلته قريبا من مركز صنع القرار وأطلعته على أسلوب الحكم والتفكير لدى الملك الراحل الذي عمل بدأب ومثابرة من أجل بناء الأردن وتحقيق السلام. ويقول الدكتور سمير مطاوع عن أعوام عمله الخمسة في معية الملك الحسين إن تلك السنوات علمته ما يعادل خبرة ثلاثين سنة. ويروي عن تلك السنوات الكثير. وقد كان للدكتور سمير دور في الترويج لفكر الملك الحسين عبر محاضراته ودراساته التي طرحها في المؤتمرات الدولية أو نشرها في المجلات العالمية واهمها تلك الدراسة بعنوان إرث الملك حسين المنشورة في كتابه Time to Speak وفي كتابه باللغة العربية “أوراق سياسية من زمن التيه والنكسات”.
لا شك أن أهم كتاب أصدره في حياته هو كتاب “الأردن في حرب 1967” الذي كانت مادته الأساسية رسالة الدكتوراة بنفس العنوان وكان الأول في ميدانه عن حرب حزيران من منظور عربي وبالأخص منظور أردني معتمدا على وثائق من الدرجة الأولى حصل عليها من القوات المسلحة الأردنية وبدعم مباشر من الملك الحسين وسبع ساعات من الحوار مع الملك. فصدر الكتاب أولا بالإنجليزية ونشرته جامعة كامبريدج وكان هدفه القارىء الغربي الذي أتخم بالكتب والتحقيقات والمقابلات الصهيونية المتعلقة بحرب حزيران فقدم للقارىء الغربي روايتنا عن الحرب وأسبابها وأسباب الهزيمة مدعما بالوثائق وشهادات المشاركين فيها.
تمتد تجربة الدكتور سمير مطاوع الفكرية أكثر من ستين عاما في الإعلام والصحافة والسياسة والتأليف والعلاقات العامة والدبلوماسية والتعليم الجامعي. وقد عملت مع الدكتور سمير مطاوع في الإعلام في العام واحد وثمانين عندما عاد لفترة قصيرة إلى التلفزيون الأردني ثم التقينا مرات عديدة بعد ذلك. وبعد غيابي للعمل في المحطات الإخبارية الخليجية عدنا للعمل معا في مجال البحوث والدراسات فوجدته مثلما كان قويا مندفعا واثقا وممتلأ بفكر عميق وإرادة صلبة في المتابعة والتدقيق والمراجعة لتحقيق الإنجاز الأفضل والنجاح المستحق.
يتميز الدكتور سمير مطاوع بكتاباته باللغة الإنجليزية الموجهة للقارىء الغربي الذي يفتقر إلى المصادر التي تتناول القضايا العربية من وجهة نظر عربية فكانت كتبه مراجع مهمة توفر نافذة واسعة للباحثين في القضية الفلسطينية. ونتذكر هنا كتابه باللغة الإنجليزية Time to Speak وكتابه “أوراق سياسية من زمن التيه والنكسات”.
يؤكد الدكتور مطاوع دوما على فكرة نقل خبرته وخلاصة علمه للأجيال. وخلال عملي معه في السنوات الأخيرة اخرج عدة كتب منها كتابه بعنوان “العلاقات العامة جسر التواصل والنجاح”. فالدكتور سمير مطاوع موهوب بالفطرة في العلاقات العامة وكان الملك الراحل الحسين يصفه بانه “ماستر” العلاقات العامة في الأردن فطلب منه تجديد دائرة العلاقات العامة في الملكية الأردنية عند انتقالها من مجرد شركة وطنية إقليمية إلى شركة عالمية ليضع ويشرف على تنفيذ برنامج عالمي للعلاقات العامة للترويج للملكية الأردنية حول العالم. وكانت للدكتور سمير مطاوع بصمات واضحة في إعادة هيكلة تلك الإدارة وكذلك في عدد من المشروعات التي عملت على صياغة صورة للملكية الأردنية كشركة عالمية.
خبرة الدكتور سمير مطاوع في مجال العلاقات العامة تكونت بالإضافة إلى الدراسة الجامعية في هذا الميدان من خلال العمل ولسنوات مع احدى أكبر مجموعات العلاقات العامة الدولية وهي مجموعة EPR International التي كان لها فروع في ثمانية وعشرين بلدا وكانت مسؤوليته في المجموعة تشمل الشرق الأوسط وأفريقيا.
كان الكتاب الثاني الذي عملت معه على إعداده للنشر بعنوان “أوراق في ثلاثية الإعلام والحروب والأزمات”. والكتاب مجموعة مقالات في شأن الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية والمسائل الوطنية.
ثم عملت على إعداد مذكراته التي صدرت بعنوان “الرمح والهدف الصعب”. وكانت كتابتها بالنسبة لي تجربة مهمة وصعبة لكنها في الوقت نفسه ممتعة وجذابة.
تسرد المذكرات وتروي قصة حياة ومعاناة واختبار وخبرات تقدم العبرة والدرس كما تبوح بكثير من مكنونات النفس وما كان يحركها ويوجهها. وهي تمتد من أوائل الأربعينات حيث بدأ سمير مطاوع يدرك وجوده في القدس ثم الرملة ثم القدس من جديد بعد النكبة وفي عمان بعد وحدة الضفتين معاصرا لكل الأحداث الوطنية والإقليمية والعالمية.
كما تحكي أحداثا عاصرها الكثيرون وان غاب كثير من أبطالها لكن قارىء المذكرات سيجد حياة هؤلاء تعود من خلال السرد الجميل والإطلالة الرائعة على الأحداث والذكريات العديدة التي تروى للمرة الأولى.
أما كتابه الأخير الذي نشر في الشهر الماضي فكان الكتاب الذي عمل عليه الدكتور سمير وعملت معه فيه سنوات طويلة وقد وضع أولا باللغة الإنجليزية بعنوان The Process of Unmaking A Palestinian State . أما النسخة العربية فكانت بعنوان “كيف تعطل قيام الدولة الفلسطينية”. يسرد الكتاب تاريخ القضية الفلسطينية ويربط بين المحطات الرئيسية في مسيرتها والفرص التي توفرت أو لم تتوفر لإقامة الدولة الفلسطينية. كما يضيء على الفرص التي ضاعت في بحر المواقف العاطفية والرفض غير المبرر للمبادرات والتعامل مع الأحداث من باب المصالح الضيقة.
في الأسبوع الأخير كنا معا نتحدث عن كتاب جديد تم إعداد مسودته بعنوان أوراق من زمن النكبة يتناول الإجراءات الإسرائيلية العنصرية التي كشف النقاب عنها مؤخرا في الوثائق العسكرية الإسرائيلية المتعلقة بعملية التهجير القسرية للفلسطينيين عام 1948.
أما على الصعيد الشخصي فقد كان صديقا عزيزا وناصحا أمينا وصاحب حديث دافىء. وزيارته كانت على الدوام إضافة ثرية للخبرات والأفكار الناضجة. وستبقى ذكراه حيه فهو قامة شامخة في العمل الوطني والإنجاز الاكاديمي والفكر العميق الذي لا يعوض.