الطب البيطري كمهنة إنسانية

كتب د. سعد الزعبي

قد يستغرب البعض عنوان هذا للمقال لكنه في الحقيقة ذو مغزى عميق و يتحدث عن مهنة لا بد من أن تأخذ دورها الحقيقي و الفاعل ويجب على المجتمع أن يتعرف جيدا إلى الجوانب التي تشملها هذه المهنة و الخدمة الجليلة التي يقدمها الطبيب البيطري لأفراد المجتمع و خصوصا فيما يتعلق بأهم حاجتين إنسانيتين وهما الغذاء و الدواء. الدواء الذي يشمل أيضا الحماية من الامراض المشتركة بين الانسان و الحيوان، بالإضافة الي ان مهنة البيطري لها دور وأهمية اجتماعية واقتصادية وصحية وآثار اقتصادية عظمى في حماية الثروة الحيوانية بكافة أنواعها وأشكالها من الأمراض وتنميتها بزيادة الأعداد ومضاعفة الإنتاج لتوفير الأمن الغذائي و الذي اصبح حاجة ملحة لجميع شعوب العالم.

يشكل الطبيب البيطري بالإضافة الى الطبيب البشري خط الدفاع الأول امام مسببات الأمراض المشتركة و التي تنتقل بين الحيوان و الانسان، حيث يراقب الطبيب البيطري كافة المنشآت الغذائية ذات المصدر الحيواني ويشرف على منتجاتها من الناحية الصحية و يتأكد من سلامتها على مختلف أنواعها و مصادرها بما يضمن وصولها الى مائدة المستهلك صحية و صالحة للاستهلاك البشري.

ان هذا الدور الحيوي الذي يقوم به الطبيب البيطري يتطلب منا جميعا التكاتف لخلق حاله من الوعي المجتمعي و التثقيف بأهمية مهنة الطب البيطري خصوصا مع تنوع مصادر الغذاء و استيراد الأغذية من مختلف بقاع العالم و أيضا ضرورة تثقيف المستهلكين بالأمراض التي قد تصيبهم بسبب الغذاء الذي يتناولنه اذا لم يتم فحصه بالطرق العلمية السليمة و تحت اشراف طبيب بيطري مختص و مطلع وعلى دراية كاملة بملف فحص الغذاء الامن.

ان الثقافة السائدة لدى المجتمعات بان الطبيب البيطري فقط يعالج الحيوانات و كذلك النظرة نوعا ما السلبية للمهنة و المزاولين لها تخلقان نوع من الضغوط الاجتماعية و النفسية سواء على الأطباء البيطريين الخريجين العاملين او الذين يرغبون بدراسة هذا التخصص. هذه النظرة غير الصحيحة تفقدنا الكثير وتدفع ملف سلامة غذائنا و طعامنا الى مساحة كبيرة قد يتحكم فيها التاجر غير المسؤول و غير المبالي بطعام و غذاء الناس و ذلك بسبب نقص عدد الأطباء البيطرين المتوفرين للإشراف على مصادر الغذاء و مراقبتهم و أيضا عدم وجود دعم مجتمعي لمهنة الطبيب البيطري و الوقوف الى جانب الطبيب البيطري في حاله تصديه او اصطدامه مع يتلاعبون بصحة المستهلك.

ان مهنة الطبيب البيطري مهنة إنسانية، فالطبيب البيطري بحكم شهادته و اختصاصه و علمه موجود في العديد من القطاعات الحيوية في المؤسسات الحكومية و غيرها و يجب جيدا ان يعي الجميع هذا الدور الحيوي و أيضا عدم الاستغراب من وجوده في المستشفيات و مديريات الصحة ووزارة الزراعة و مؤسسة الغذاء و الدواء و دائرة الجمارك و القوات المسلحة و البلديات و غيرها الكثير الكثير من القطاعات الحيوية و التي بعضها يتطلب وجود طبيب بيطري اما للإشراف على الغذاء و سلامته او العلاج و التشخيص و التأكد من مطابقته للمواصفات و المقاييس و حماية المجتمع من العديد من الامراض التي يشترك فيها الانسان مع الحيوان و تطول الأمثلة و النماذج التي تعكس أهمية و قدسية هذه المهنة.

عالميا عدد الجامعات التي تدرس تخصص الطب البيطري قليل نسبيا مقارنة مع باقي التخصصات حتى ان بعض الدول لا يدرس فيها هذا التخصص اطلاقا و ذلك بسبب الكلفة العالية لإنشاء كليات طب بيطري متخصصة و ما يتبعها من عيادات او مستشفيات بيطرية و اجهزه فحص و معدات و مباني الخ. الأردن و بفضل الله و من خلال جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية يوجد فيها كلية بيطري تمنح درجة البكالوريوس في الطب و الجراحة البيطرية بالإضافة الي العديد من التخصصات ضمن برامج الماجستير و التي يتخرج منها نخب علمية متميزة على المستوى المحلي و العربي و حتى العالمي و الأمثلة كثيرة لمن أراد الاستزادة.

لقد ادرك المشرع و صانع القرار أهمية الطب البيطري و دوره كمهنة إنسانية و حيوية، فنصت العديد من القوانين و شملت الطبيب البيطري في نصوصها و ادرجته بحكم اختصاصه للتواجد في العديد من المؤسسات الوطنية الرسمية.

هذه الثروة و الميزة بوجود كلية طب بيطري متخصصة و أيضا و جود العديد من التشريعات و القوانين و التعليمات التي ترعى الطبيب البيطري و أيضا وجود نقابة للأطباء البيطريين الأردنيين ترعى شؤونهم و تنظم عملهم تستدعي منا جميعا ان نستثمر هذه الفرص لخلق وعي عام و تصحيح نظرة المجتمع لمهنة الطب و الطبيب البيطري.

حمى الله الأردن ارضا و ملكا و شعبا.