للمساجد حقوق ولروادها آداب

كتب د. محمود الشغنوبي

إن المسجد في الإسلام له مكانة رفيعة ومنزلة عالية ففيه يتعبد المتعبدون ويصلي المصلون ويعتكف المعتكفون ويتعلم المتعلمون يأتي إليه العبد فتهدأ نفسه ويطمئن قلبه ويتسلل النور إلى فؤاده فيخرج من المسجد منشرح الصدر باسم الثغر.

وقد أضاف الله جل جلاله المساجد إلى نفسه إضافة إجلال وتشريف وتوعد من يمنع من ذكره فيها ويسعى في خرابها بخزي الدنيا وعذاب الآخرة.

وللمساجد حقوق ولروادها آداب يجب معرفتها والتمسك بها والعمل بمقتضاها فلا يجوز لأحد بأي حال من الأحوال أن يسيئ الأدب في بيت من بيوت الله لأن لبيوت الله حصانة شرعية تليق بها وكيف لا يكون لها ذلك وهو بيت مالك الملك وملك الملوك جل جلاله وعز كماله.

ففي واقعة غريبة في إحدى ضواحي عمان الغربية، وقبيل صلاة الجمعة وبينما بدأ المصلون بالتوافد إلى المسجد، وصل أحد المتنفذين والذي يعرف بأنه قد قام بتوسعة المسجد على نفقته الخاصة، وبمجرد وصوله تزلزل المكان وبدأ الجمع بالتوافد لتحيته والقيام على خدمته بينما هو يراقب ويحاور أصحاب ” البسطات ” ويطرد هذا ويبقي على ذاك، وقد طلب من سائق إحدى السيارات الوقوف بشكل مستقيم لكي يترك مجالاً للسيارات الأخرى للاصطفاف.

فوجئ الجمع بأن السيارة لا تعمل وحاولوا دفعها دون جدوى.

هنا بدأ المتنفذ ومن التف حوله بالصراخ، وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى، فإذا به حضرة الإمام، ودون السؤال قام بالاتصال مباشرة بالأجهزة الأمنية وتصوير سيارة الفاكهة بأرقام اللوحة وكذلك فعل المتنفذ.

بدأ صراخ حضرة الإمام على البائع وكأن الهدف كان إرضاء للشخص الذي يقف بجواره بينما قام أحد القائمين على خدمة المسجد من العمالة الوافدة بالاعتداء بالضرب على بائع الفاكهة إرضاء لغرور ذاك المتنفذ الذي ما ترك هاتفه وهو يهاتف هذا وذاك للتعريف عن نفسه ” أنا فلان ” وطلب محاسبة سائق السيارة، بينما وأمام الجميع كان جل ما قاله سائق سيارة الفاكهة : لقد أخذتم أرقام اللوحة واتصلتم بالأمن – اتركوا الأمر لصاحب الشأن.

ما يعلمه الجميع أنه يجب على قاصد المسجد أن يراعي آدابه وأن يتعلم أحكامه ليفهم ما يوافق قدسيتها وما يعد مناقضاً لمكانتها فلا مكان في المسجد للغوغائيين والفوضويين و المشوشين و الأطفال غير المميزين ولا يجوز فيها رفع الصوت ولو في قراءة القرآن لما فيه من إيذاء وتشويش على الآخرين فكيف بالتصرف على أنني أنا من أملك بيت الله هذا.

إن التباهي في بناء المساجد وتوسعتها يضر بصورة الدين نفسه، فإنسانية الإسلام وسماحته لا تكون ببناء وتوسعة المساجد ولا بالتبرع بقطعة أرض للبناء بينما هناك أسر لا تجد طعاما لأولادها أمام زيادة معدلات الفقر.

أما من جاء من اقصى المدينة يسعى، فالقول هو : قد جاءت نصوص كثيرة تحرم الظلم بكل أشكاله، وعلى كل طوائف المسلمين، ومن ذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (آل عمران: 57)، وهو دليل تحريم، لأنه – كما ذكر علماء أصول الفقه– فإن كل شيء نص القرآن على أن الله لا يحبه، فهو محرم، وتركه من مقاصد الشريعة. والظالمون محرومون من هداية الله لهم، فهم في ضلال ما داموا على ظلمهم، فحياتهم تخبط وانحدار، كما قال سبحانه: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (آل عمران: 86)، والظالمون في صراع دائم فيما بينهم، وهذا من شرور أعمالهم، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (الأنعام: 129).

نعلم علم اليقين عدم مشروعية البيع أمام المساجد وفي ساحاتها، فالمناداة على الخضار والفاكهة أصبح يختلط مع الدعاء، عدا عن الألفاظ النابية التي يطلقها هؤلاء فيما بينهم وخصوصا في يوم الجمعة والأزمة التي يسببها في الشوارع المؤدية إلى المساجد، وعلى الجهات المعنية الرسمية التدخل لوقف تلك الظاهرة ولكن دون ظلم، فماذا لو أن البائع رفع يديه إلى الله وقال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله.

تحركت سيارة الفاكهة، انتهى الموقف، وصلت سيارة أمانة عمان الكبرى المخصصة لمصادرة البضائع، تركه الجميع .. وجلست أفكر

من ظلم هذا الشاب .. هل هو مظلوم إلى هذه الدرجة .. أم أن الظلم صغيرا …ويل للغافل .. ألا يعلم أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب … ألهذه الدرجة يستطيع الشيطان أن يقنع أحدهم بأن ما فعله ليس ظلما وأنه حقا من حقوقه .. إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره

عن نفسي .. لا أتمنى أن أكون من ظلم هذا الشاب بسكوتي ولا أتمنى أن أكون مكانه .. واسأل الله أن يقتص له ولو بعد سنين فإن الله يمهل ولا يهمل … فكيف ينسى البعض أن الظلم ظلمات يوم القيامة .. كيف يهنأ بنومه .. كيف تلذ له الحياة وهو يعلم بأن هناك من يدعو عليه ليلا ونهارا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

ماذا لو أجابه الله وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.