وبعيداً عن الاغتيالات السابقة وما جاء بعدها من اغتيالات نالت وصفي التل وحابس المجالي ولكن بقيت قصة اغتيال المغفور له الملك عبد الله الاول غير واضحة وما زالت تُحبك كخيوط العنكبوت لتكتمل القصة ولا زال ملف التحقيق به وما تحتفظ به من وثائق الاغتيال بيد بريطانيا التي تمنع الاطلاع عليه بما هو مسموح حتى عام 2055م لتقوم الخارجية البريطانية بالافراج عن الملف رقم (75375 )، وبقي تاريخ الاغتيال يدون ويستذكر ولا ينسى ،حيث جاء يوم الخميس 19 تموز 1951 كان على الملك أن يستعرض القوات الجوية في الجيش العربي – فكان شديد الرغبة في خُلق سلاح جوي اردني وكان قد بلغ في ذلك اليوم رسالة مجهولة المصدر تهديد الى الملك والجنرال كلوب حسب ما ذكر بمذكرات الجنرال وكان الجنرال كلوب قد أتى لمرافقة المغفور له.
وعند مرورهم من أمام احدى القواعد الجيش العربي خرج منها احد الضباط وانزل العلم الى وسط السارية فأشار الملك اليه ضاحكاً وقال يتوهمون انهم في البحرية فهم يحيون بإنزال العلم، كان العرض على اضيق نطاق فكان الملك مسروراً وتناول الغذاء في احد العنابر ثم توجه الى القدس لينام هناك فقد كان شديد التعلق بالقدس ولا يهنأ له بال الا ان يصلي الجمعة بها، وفي صباح الجمعة ذهب الى نابلس للتمضية الوقت فتناول القهوة مع سليمان بيك طوقان رئيس بلدية المدينة وكان يتحدث للمدة ساعة كاملة وعندما تفقد سليمان طوقان الساعة قال للمغفور له :”لم يبقً الا القليل للعودة الى القدس هل صلينا اليوم في جامع المدينة هنا في نابلس؟”، لكن المغفور له لم يقبل وكان يرافقه حابس المجالي، وقبيل الظهر دخل الملك الساحة الفسيحة أمام المسجد الاقصى وكانت كعادتها وقت صلاة الجمعة تكتظ بالآف من الناس فأفسحت له الطريق ممراً ضيقاً سار فيه والرجال من جانبه في ازدحام شديد وكان يقف اذا رغب بالتكلم مع اشخاص يعرفهم وكان المرحوم حابس ورجاله يحيطون به وحاولوا اقصاء الجميع عنهم الا ان المغفور له التفت الى الوراء وقال بشيء من الغضب (لا تحبسني يا حابس!)، وعندما اقترب الموكب من باب الجامع حاول المرحوم حابس المجالي مرة اخرى ان يضرب نطاقاً حول الملك لكن هذه الاخيرة ردد بعنف متزايد المغفور له (يا حابس لا تحبسني )، كان الملك اول من مر على العتبة وجميع الحامية وراءه فأقبل نحوه شيخ الجامع بهامته الجليلة ولحيته الطويلة البيضاء يقبل يده، وفي تلك اللحظة قفز رجل من خلف الباب الضخم واذا به وراء الملك لا تفصله عنه مسافة فأشهر مسدسه واطلق النار على رأس الملك وتدحرجت عمامته على ارض المسجد ثم اخذ القاتل يطلق الرصاص يميناً وشمالاً بينما انقض عليه رجال الحامية وأردوه صريعاً.
هذه لقطات عاشها البعض مع المغفور له الملك عبد الله رحمه الله، وذكر البعض بأن رئيس الوزراء وكان حينها سمير الرفاعي وكان رئيساً منذ ثلاث شهور خلفاً لتوفيق باشا قال له اترجاك ان تكون متيقظاً فأجابه الملك (إني أثق بالله وحياتي بين يديه)، هذا ويستذكر الاردنيين تلقي الجيش العربي نبأ استشهاد المغفور له الملك عبد الله الثاني بحزن كبير وكعادته بقي منضبطاً وثابتاً على مبادئه وتقاليده ورسالته النبيلة في المحافظة على الامن الوطني الداخلي والخارجي، لو تصفحنا تاريخ الهاشميين وما أوسع ذلك التاريخ، لوجدناه زاخرا بسيرة العظماء فمنهم الشهداء الذين قضوا نحبهم في سبيل الدفاع عن الحق والنضال ضد الباطل ومنهم المغفور له الشريف حسين بن علي الذي فقد ملكه من أجل فلسطين وقضى مدافعاً عن عروبتها ودفن في رحاب المسجد الاقصى .
ولعلني استذكر هنا كلمة بقلم المرحوم دولة سعد جمعه الكردي قال: “قد يسقط الفارس وهو ملء السمع والبصر ، فيجفا جواده ويعود أكبر ما يكون محمولاً على الاعناق .. ذلك قدر الله الذي لا راد له ولا محيد عنه”.
وحين تكون حياة البطل المبدعة أمثولة، تصبح غيبته المروعة أسطورة ،وفي القلوب تحفر القبور الحبيبة ،وفي الارواح ،تؤرق اللوعة،وتزهر الفجيعة!).
“لئن سقط الفارس فإنه سيبقى بيننا بصدق إيمانه ونراه بيننا وأجمل ما تراه عيوننا اليوم برؤية فتى بني هاشم الذي يحمل آلامنا وعلى ثغره بسمة”.
رحم الله المغفور له الملك عبد الله الاول وجعل الله الخير فيمن أتبعه .