كتب مالك العثامنة
لم يعد خافيا على أحد، أن غالبية المواقع الإخبارية الإلكترونية (الجاد منها أو الدكاكيني) تعتمد على صفحات تنشئها على الفيسبوك لترويج أخبارها، ومن خلال عناوين مثيرة وجاذبة تسحب القارئ إلى كمين الضغط على الرابط الأساسي للخبر في الموقع نفسه، فيتحرك عداد الزوار ويزيد مع كل كبسة زر.
طبعا، موقع الفيسبوك “بمساحته الأردنية” لا يحتوي على صفحات المواقع الإخبارية، فهناك من يرى في نفسه وكالة أنباء متكاملة ولا يتردد “نساء ورجالا” من تكريس نفسه بلقب “إعلامي” قبل اسمه، ومنهم من يرى في الادراج مساحة نشر لأخبار غير خاضعة بالمطلق لأي معالجة مهنية “وهي أساسيات المهنة الصحفية” فيسترسل بخبره الذي يمتزج بالرأي والاعتقاد، والغضب والانفعال وربما تصفية حسابات شخصية.
هذه الحالة التي نمت نموا متسارعا في الفضاء الافتراضي الأردني، واكتشف البعض أنها الوسيلة الأفضل لقيادة الرأي العام بل وتشكيله وإدارة احتقاناته فلجأوا إلى مأسسة “شبحية” تلقي أول الخبر على عتبات العالم الافتراضي ليهجم مدمنو الترويج السريع لافتراس الخبر وتعظيمه وتهويله.
عندي يقين لا أستطيع بأي حال إثباته بالأدلة أن مؤسسات رسمية “و ذوات بمناصب نافذة” صاروا يوظفون الحالة الافتراسية على فضاء الأردن الإلكتروني للهجوم او الدفاع بقصد الهجوم، ومع تزايد النماذج بتنا جميعا أسرى حرب فوضوية من الأخبار “التي قد يكون مجملها صحيحا لكن تنقصه المعالجة المحترمة” وانتهينا اليوم إلى ما انتهينا إليه من تراجع دور الصحافة الجادة والمحترمة التي تقدم الحقائق “والحقائق مغيبة بقرار مزاجي شخصي يحمل صفة رسمية” لكن أنصاف الحقائق يتم تلقيمها بمنهجية غير بريئة في مدافع القصف العشوائي على صفحات الفيسبوك.
الديماغوجيا تتسيد المشهد، والدولة تواطأت على نفسها منذ سنوات طويلة حين دخلت ذات اللعبة وتركتها تكبر وتنمو بدلا من ضبط الحالة، وضبطها لا يكون بتغليظ عقوبات أو تجريم الحالة، الضبط الواعي يكون بتقديم المعلومة السليمة وباحترافية عالية للصحافة المحترفة والحرة والمسؤولة التي ستنتج إعلاما صلبا سيطرد بدوره كل تلك الفوضى ويحل محلها.
الحرية لا تعني أبدا الانفلات، والاختباء خلف مفاهيم الحرية صار الثغرة الأكثر سهولة ليتسلل منها الشعبويون الذين توهموا انهم أساتذة في المهنة وقد توجتهم الديماغوجيا المنفلتة والمتعطشة للحقائق التي غابت أسيادا على المشهد وأبطالا لا يملكون من المهارة إلا دغدغة العواطف وشحن الغضب والقهر.
كنت قد سئلت في أكثر من لقاء مغلق وحصري مع دوائر صنع القرار في الدولة عن رؤيتي الشخصية للحل، وكنت دوما أقول ان المشهد الإعلامي يعكس فراغا إعلاميا ملأه المتطفلون والشعبويون مقابل إعلام رسمي خشبي مهترئ لا يصدقه أحد، بل لا يقدم الحد الأدنى من المعلومة لأي أحد.
لا بد من تعريف الإعلام ثم التخلص من لقب “إعلامي” الذي لا أجده يعبر عن وظيفة حقيقية، إلا وسيلة للتسلق المجتمعي، وهو ما تشكل في الأردن من طبقة لم تشتغل في الصحافة كمهنة لكن تم دفعها للنجومية عبر منابر تلفزيونية وإذاعية ومواقع وصحف وغيرها، وكانت مهارتها الوحيدة الصراخ والصياح والصوت العالي بلهجة عامية “شعبوية” ثم وبقدرة قادر صاروا يحملون لقب إعلامي ويثرون ثراء سريعا، والنتيجة في المحصلة أننا فقدنا الإعلام المحترف.
ومثل كل مرة أكرر وأقول: الدولة.. هي ألا يحدث ذلك كله.