الإدمان وفقدان الإتصال بشخصياتنا الحقيقية

كتبت تهاني روحي
حملة كبيرة على المخدرات وبوتيرة متصاعدة شهدناها منذ عدة أشهر وعلى عدة مستويات، وهذه الجهود الامنية الكبيرة للتصدي لهذه الآفة التي نخرت بعمق في مجتمعنا أثمرت عن ضبط كميات كبيرة منها وعلى عدد كبير من المروجين والمتعاطين خلال عمليات نوعية، قامت بها إدارة مكافحة المخدرات.

وتعتبر هذه الآفة هماً وطنياً، ومسؤولية تقع على عاتق جميع شرائح المجتمع، لأننا نحتاج لأدوار تكاملية للقضاء نسبيا على هذه الظاهرة، فإذا كانت المسؤولية الأولى تقع على عاتق الحكومة والأجهزة الأمنية، فإن المسؤولية الثانية تقع على المجتمع ككل، وعلينا مراجعة النهج المتبعة في هذا الاطار، وكيفية تبني هدفًا عامًا وتوجهًا شاملاً مستقبليا.

فمن خلال برامج توعوية بطرق علمية تدرس في المدارس والجامعات ومن خلال حملات اعلامية مبتكرة وغير أبوية تخاطب شريحة الشباب، ومن خلال الخطاب الديني والذي لا يكمن في الترهيب، بل عليه ان يذهب لرسالة أعمق تتوجه الى الأفراد لإدراك قيمة وجودهم وسمو هدفهم فى الحياة، هي جميعها تصب في المسؤولية المجتمعية المشتركة، كما ان الأسرة لها دورها الهام أيضًا، ففي هذه البيئة يوضع حجر الأساس لتحكم الفرد ذاتيًا في رغباته وغرائزه، وما لم يؤسس هذا التحكم الذاتي في مرحلة مبكرة من العمر فلا بد أن يأتي دور التحكم الخارجي الذي يُفرض عن طريق ضغط الاقران والتنظيمات الإجتماعية، وإذا ما تعطل هذا التحكم فإن إحساسًا بالإنفلات سيسود المجتمع ويكون من نتيجته سهولة تعاطي المخدرات وارتفاع معدلات الإدمان، فعلى الوالدين مسؤولية تثقيف أطفالهم حول القيم الأخلاقية والروحية ومواجهة واقع الحياة الذي لن يكون مزدهرا دائما.

ولا بد من توفر فرص لخدمة المجتمع، وبرامج الترفيه المناسبة لكافة الفئات العمرية ان يؤخذ موضع التنفيذ الفعال، ولكن أن يترك الشباب يصارعون البطالة والفقر وتمضية اوقات الفراغ في الشوارع، خاصة لمن لديهم تجارب حياتية وأسرية ومجتمعية قاسية، يجعل من السهل الانقياد لتجريب المخدرات، ويدخل المدمن في دائرة مفرغة تمتد لشهور أو سنوات وما هي سوى رحلة وهمية في عالم خيالي دون تحقيق أي تعلم أو تطوير أو انجاز على أرض الواقع، ولا مجال هنا لسرد الآثار التي شهدناها في مجتمعنا على هذه التجارة من عنف وقتل وسلوكيات لم نكن لنشهدها قبل عقد او عقدين على الأقل.

لا بد اذا من وقفة بل نحتاج لدراسة متأنية في تقييم المسببات وما آل عليه المجتمع من تفشي هذه الآفة، فتفكك النظم التقليدية للقيم، وانهيار مؤسسة الزواج والحياة الأسرية وهو ما تطالعنا به الأرقام المريعة للأزدياد الهائل لحالات الطلاق، وإضفاء بريق على المؤثرات العقلية في الدراما والمسلسلات، قد أدى إلى تعقيد مهمة الوقاية، أما الاستخدام الطويل لمواقع التواصل الاجتماعي بتطبيقاتها المختلفة والتي أدت للهاث السريع لرفاهية جسدية ومادية، وفقدان الوعي الروحي نتيجة لذلك، فقد الأفراد الاتصال بأنفسهم الحقيقية، وما الادمان الا محاولة لإعادة تأسيس هذا الاتصال بالوسائل الكيميائية وحل المشكلات التي هي في الأساس إنسانية وذات طبيعة روحية، فالسعادة مثلا هي حالة ذهنية يمكن اكتسابها أو تحقيقها من خلال علاقات شخصية مفيدة وذات مغزى وليست بالتعاطي.

فقد شجعت بعض أدوات التواصل الاجتماعي على اختلاف ما تبثه من فيديوهات تافهه ومجزأة وآراء لأناس يفتقرون لمحتوى ناضج ركبوا موجه الشهرة وفرتها لهم تلك المنصات، يروجون لانجازاتهم المادية وحث المراهقين والشباب على الثراء السريع، ومع الوقت يلجأ بعض أولئك الذين يعانون من البطالة أو عدم الاستقرار العاطفي إلى المخدرات كملاذ ضد الواقع المرير لنمط حياتهم التنافسية.

ويبقى السؤال دائما، كيف يمكن تنمية الشعور بالهوية لدى جيل الشباب والبحث عن طرق إيجابية للتعامل مع الملل واللامبالاة، وعلى من تقع مسؤولية توفير الفرص لتحفيزهم وتشجيعهم على الإبداع والعمل المفيد؟