استشاريو أزمات وتضليل اعلامي: قضية أمن وطني

بقلم : إبراهيم السالم

حرّك مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، الدكتور زيد عيادات، جدلاً مستحقاً في الموضوع الاممي المعروف ب”الوباء الإعلامي أو المعلوماتي “Info demic” عندما ظهر يوم الاثنين على شاشة “رؤيا”، ليدافع عن مصداقية الأرقام والإيحاءات السياسية التي تضمّنها استطلاع ثقة الأردنيين بالحكومة.

وصف عيادات الاستطلاع الذي يشرف هو عليه، بانه يخضع لضوابط علمية وليس لأهواء شخصية، وقال ان أرقامه ليست حجّة إدانة ضد رئيس الحكومة.
لكن السرد الاكاديمي التقليدي في حديث عيادات، انفلت في المقابلة عندما نأى بنفسه عن كاتب العمود الصحفي ماهر أبو طير، وقال أن ما بين مقال أبو طير عن ثقة الناس بالحكومة وبين استطلاع مركز الدراسات عن نفس الموضوع، ليس تنسيقاً (في الأهداف والرسائل) وإنما هو “مجرد تزامن في النشر”.

حديث مدير مركز الدراسات عن التزامن في الحملات الإعلامية المرفوقة بالريبة والجدل، جاء ليضع الأردن بين الدول والأنظمة والحكومات التي أخذت منذ وباء كورونا تستشعر أنها مستهدفة أمنياً وسياسياً في الذي اندرج عالميا وإقليمياً تحت مظنّة وباء” المعلومات المضللة أو الخاطئة “Mis\ Dis- Information.

القصة السياسي – امنية في لعبة المعلومات الخاطئة أو المضللة، هي أنه – بغض النظر عن الأهداف والنوايا- فإنها في النهاية تؤدي وظيفة مسمومة في إثارة الخوف والشك بين عموم الناس، حيث يكون هناك من يترصّد ويخطط، وهناك من يوسّع له في الإعلام، لينفّذ مخططاته طويلة أو قصيرة الأمد.

مدير مركز دراسات الجامعة الأردنية، الذي يصف نفسه في موقعه بمؤسسة “أراب باروميتر” (مقرها الولايات المتحدة) بأنه “خبير في نظرية الألعاب والنمذجة، وله أدوار استشارية في مؤسسات حكومية وغير حكومية عديدة، منها الديوان الملكي الهاشمي،” اجتهد في نفي وجود أهداف سياسية مريبة وراء توقيت استطلاعه للرأي العام.
لكنه وبدون قصد بالتأكيد، ترك موضوع مقالات أبو طير نهباً للاستقصاء، عندنا نأى بنفسه ومركزه للدراسات عن المقاربة معها في التوقيت، وبالتالي في الرسائل ذات المضمون المتصل سلباً بالأمن الوطني.

في دواعي انتفاضة عيادات بعيدا عن أبو طير، ما أوحي بأنه لم يكن غائباً عن القراءات التي وثقت حملةً من الأخير على رئيس الحكومة لم تنقطع منذ سنتين، وإن كانت في الاسابيع القليلة الماضية أقامت على هذا الغرض بأسلوب “فاصل ونواصل”. فكانت بذلك أدعى لمدير مؤسسة قطاع عام أن يناى بنفسه ووظيفته عنها بعد أن اكتسب التضليل طابع الوظيفة.
أبو طير مِثل عيادات يسّوق نفسه بأنه مستشار سياسي. عرّف نفسه حيث يكتب عموده، بأنه “يعمل حاليا في شؤون الأزمات والتحليل السياسي والإعلامي من زاوية اشتباك السياسي مع الإعلامي.

آخر مقالات أبو طير، وهو الذي نُشر يوم أمس تحت عنوان “هذه ليست حريات شخصية ايها السادة” ،أخذ فيه على الحكومة أنها تسمح بالحفلات الغنائية!!!. قال أن الأشهر الماضية كانت لافتة للانتباه إذ أن تحطيم المعيار الديني والأخلاقي والاجتماعي (في البلد) جارٍ على قدم وساق بكل هذه النشاطات التي نراها والتي يراد منها كسر المحرمات وإعادة إنتاج معايير العيب والحرام والممنوع”. هكذا صوّر قطاع الترويح في الاقتصاد الوطني.

وفي اليوم السابق (9 – 10 / 2022) وتحت عنوان “توقّفْ عن تحذيرنا يا دول الرئيس” كان أبو طير بدأ مقاله بالقول “أسأل نفسي في مرات كثيرة إذا ما كان رئيس الوزراء الحالي لديه طاقم استشاري يقوم بنصحه، أم أنه ليس بحاجة الى استشاريين”.
وفي ذلك كان الزميل الذي يعرف نفسه بأنه مستشار يعمل حالياً في شؤون الأزمات”، يبدو وكانه ينصح الرئيس بتوسيع خياراته والاستفادة مما هو موجود أمامه من خبرات استشارية.فهو يقول عن الرئيس” يبدو أنه لا يملك مستشارين”، ويضيف “هذا ليس هجوماً شخصياً …لكنها نصيحة”. وهي بذلك تشبه الذي قالت بهم العرب” نصيحة بجمل”!!

وكان أبو طير نشر يوم 4 – 10 مقالا بعنوان “برقيات يعرفها صناع السياسة مسبقا. في المقال تناول نتائج استطلاع مركز الدراسات وقرأ فيها “برقيات لصناع السياسات في الأردن” قال أن هكذا استطلاع يراد منه في النهاية لفت انتباه صاحب القرار الى المزاج العام في الأردن والتحولات التي تطرأ على هذا المزاج لاعتبارات متعددة، كونها ليست استطلاعات للاستهلاك أو لتسجيل المواقف فقط… وانما تفرض وضع خريطة طريق للبلد، بما يحمله هذا الكلام مِن غمز في قناة من يديرون الملفات ويتركونها كما هي”. وكان الزميل ابو طير في ذلك يرفع السقف شبرا إضافيا.

بتاريخ 1 – 10، كان ايضا تناول حكومة د. بشر الخصاونة من زاوية انها تسيء الاختيار – اختيار التنفيذيين والمستشارين”. في مقالته “إساءة الاختيار” بدا كمن يضع نفسه بموضع” كاد المريب أن يقول خذوني، إذ قال “هذا الكلام ليس نقداً سياسياً مسموماً ولا استهدافا شخصيا، وقد بتنا كل مرة نضطر أن نوضح حتى لا نؤخذ باللائمة. كان وكأنه يعرف سلفاً أن هناك من سيتهمة لأنه ينتقد رئيس الحكومة على قضية تُحتسب ذروة الانجاز التنفيذي ، حيث كان د بشر الخصاونة يلتزم أمام مجلس النواب بأن تسعى الحكومة لتوظيف مليون أردني خلال 10 سنوات، إضافة الى التزام برفع نسبة النمو الى 5 بالمئة خلال هذه الفترة.

قبل ثلاثة ايام وفي 8 – 10- 2022 وتحت عنوان “هل تديرهم جهة ما؟”، تحدث أبو طير عن الجهات التي في العادة تتلاعب بالعقول والأمزجة، وراهن على قناعته بأننا “بلا ذاكرة ولا نقارِن ما قيل قبل سنتين وما يقال الآن”.
وسأل أبو طير، في مقالته، نفس السؤال الذي يسأله المؤتمنون على الامن الوطني عن الذين يتلاعبون في الإعلام : “هل يعمل هؤلاء بشكل ذاتي أم تتم إدارتهم من جانب أجهزة أمنية وجهات مختلفة لتضليل عامة اناس وإدامة الجهل وتغييب العقل، في منطقة مبتلاة بكل شيء”.

ولذلك جاء أبو طير وكأنه في نفس السياق الذي تصدى له الدكتور عيادات ونزع فيه عن نفسه تهمة التزامن مع حملة أبو طير على الحكومة. فما فعله مدير مركز الدراسات هو في النهاية تحويد عن تهمة الشراكة في قضية شبهات التضليل والتزييف الإعلامي، وهي التي أصبحت الآن قضية أمن وطني تستدعي من يتقصاها لدى الذي يسوّقون أنفسهم كمستشاري أزمات لدى من يشتري.
وحده التحقيق الأمني هو الذي يحسم الجدل.