عدي مزهر يكتب : ثقافة الإعتذار والإعتراف بالخطأ

كتب عدي مزهر
‏يمكن القول إن تحليل هذه الفكرة يبدو غريبا ولا يهمنا كأشخاص، ولكنه بالنسبة للدول أمر لو تعلمون عظيم.

منذ ظهور حركة الاستكشاف البحري البرتغالي والإسباني في القرن الخامس عشر حتى القرن العشرين مدت أوروبا نفوذها على العالم احتلالاً واستعماراً، وعلى رأس هذه الدول بريطانيا وفرنسا، والاستعمار هو اخضاع دولة لسيطرة دولة أخرى قوية واستغلال مواردها الطبيعية وتسخير شعوبها لصالح المستعمر، ناهيك عن طرد المستعمر للشعب من أراضيه لإقامة مستوطنيه.

وهناك دول ارتكبت فيها مجازر بلا رحمة، وحتى يومنا هذا تستمر بعض الدول الاستعمارية في تفادي الاعتذار عن تاريخها الاستعماري، وبحسب دراسة نشرت في جامعة “هارفارد” فانه عندما يعتذر قادة الدول يضعون أنفسهم بحالة ضعف، في حين أن المتوقع منهم أن يظهروا أقوياء دائماً لذلك لا ينبغي عليهم الاعتذار كثيرا وإذا اعتذروا فلا بد أن يكون هناك سبب قوي.

يعتذر معظم القادة بعد إجراء حسابات تجعل من الصمت خطراً على العلاقات الدولية الحالية والمستقبلية ويكون عن أفعال قام بها اسلافهم أو من يعملون تحت إمرتهم، لأن الاعتذار في بعض الظروف قد يكون مكلفا.

فعلى سبيل المثال، قدمت ألمانيا العديد من الاعتذارات الرسمية من أجل بداية جديدة في علاقاتها الدولية تمحو بها ذكريات أفعال النازية، وتاريخ مستعمراتها بأفريقيا في القرن التاسع عشر، حتى أن آخر اعتراف لألمانيا حدث في العام 2021 عندما أقرت بارتكابها جرائم إبادة جماعية ب”ناميبيا” في إفريقيا التي احتلتها بين الأعوام ١٨٨٤- ١٩١٥ بحق عشرات الاف القتلى من قبيلتي “هيريرو وناما”، مما اضطر المانيا بعد مفاوضات دامت ٥ سنوات الإعلان بأنها ستدفع ١،٣٠٤ مليار دولار كتعويض، وطلب وزير خارجية ألمانيا “هيكو ماس” من ناميبيا وأحفاد الضحايا، الصفح والغفران وفي ذلك الوقت علق متحدث حكومي باسم “ناميبيا” أنها “خطوة على الاتجاه الصحيح”.

على الجانب الآخر رفضت بريطانيا الاعتراف بجرائمها بحق قبيلة “الماوماو” في كينيا الذين قاموا بثورة على الاستعمار عام ١٩٥٠ فردت بقتل ٥٠٠٠ الاف شخص، من القنبلة ولكنها اضطرت لدفع مبلغ لا يتجاوز الثلاثة الاف دولار عن كل ضحية بعد معركة قضائية مرفقة ذلك بما وصفته ب “الندم الحقيقي” على المجزرة دون أي اعتذار رسمي.

وأخيراً لا يزال الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن يرفض الاعتذار وحتى الاعتراف بأي خطأ تجاه غزو العراق، وعادة ما يكتفي بوصفه ب”خطأ في الحسابات” رغم طول هذه الحرب وما رافقها من قتل وفضائح وتعذيب .