ومن هنا ودون اي تأخير فانه من الواجب على المجتمع العالمي أن يستجيب للوضع الحالي المتمثل في تفاقم تفشي وباء الكوليرا في اقاليم العالم المختلفة، وذلك من أجل تفادي تزايد الحالات وتفشيها الى دول اخرى والعمل ايضا على تقديم الوقاية والاستجابة اللازمة للمجتمعات المختلفة دون تاخير او مماطلة وخصوصا في المناطق الاكثر عرضة لتفشي المرض، بسبب ما تتعرض له هذه المناطق من الظروف والأزمات المعقدة والممتدة المختلفة التي تواجهها، مثل الحروب ، والاوضاع الاقتصادية السيئة والفقر ومحدودية العدالة الاجتماعية، والذي بدوره يقود إلى مواقف أكثر صعوبة وتعقيدًا ، مما يجعل كل الجهود المبذولة تسير ببطء ومحدودية، وبالتالي تؤثر سلبا على كافة جهود الجاهزية والاستجابة لهذا الوباء القديم الجديد.
ويعتبر اقليم شرق المتوسط واحدا من هذه الاقاليم، والذي يحتاج إلى مزيدا من الاهتمام بجهود التأهب والاستجابة في البلدان التي تقع فيه، وكما هو معروف فقد شهدنا سيطرة على هذا المرض لعقود طويلة في معظم الدول، ولكن خلال السنوات الأخيرة شهدنا عودة لتفشي لهذا الوباء (وباء الكوليرا) في بعض دول اقليم شرق المتوسط، كان أصعبها في اليمن يليه بالتفشي للمرض في باكستان وايران ومن ثم العراق والآن يمكننا رؤيته في سوريا ولبنان، فما الذي يجب فعله لوقف تفشي الوباء واحتوائه في المصدر والعمل على منع انتشاره في داخل مناطق الدولة الواحدة والى الدول المجاورة؟.
في الحقيقة الامر مناط بعمل شمولي تكاملي بين كافة الجهات المعنية من وزارات للصحة في البلدان المعنية مع شركائها المختلفين لتجهيز خطة استجابة تتسم بالشمولية والبدء بتنفيذها فورا وتحديثها بناء على ما تستدعيه الظروف، بما في ذلك خطة اتصال وتنسيق بين البلدان في الاقاليم التي يتفشى فيها الوباء وداخل تلك البلدان نفسها ،بحيث تقوم البلدان المجاورة على ضوء المعطيات بتفعيل خطة التأهب والاستجابة الوطنية الخاصة بها، مما يضمن مستوى عالٍ من التأهب، وتضمن هذه الخطط ايضا الاستعداد لتفشي وباء الكوليرا استباقيا بحيث تكون الاستجابة أكثر فعالية وذات جدوى، كما انها تؤدي في المجمل إلى استجابة أسرع وأكثر كفاءة وتقلل ايضا من الاصابات والوفيات.
ولتجنب تكرار الفجوات في الاستجابة كتلك التي شهدناها خلال جائحة كوفيد-19، فانه يتوجب على العالم اجمع ايلاء مزيد من الاهتمام لتلك البلدان المتضررة والتي تعاني من تفشي وباء الكوليرا، والعمل بشكل أكبر لترسيخ معايير الإنصاف والتوسع ايضا في توزيع العلاج للاصابات واللقاحات للفئات المستهدفة في تلك البلدان، والعمل معًا ايضا من اجل تقليل آثارالتغيرالمناخي، والاستثمار أكثر في بناء قدرات فرق العمل في البلدان التي تنتشر فيها الفاشيات، ومن المهم اعتماد نهج متعدد القطاعات بما في ذلك الرقابة على المياه والصرف الصحي والنظافة والتعبئة المجتمعية وتقديم العلاجات ولقاحات الكوليرا الفموية.
كل هذا يعتبر ضروريا للسيطرة على تفشي الكوليرا وتقليل الوفيات الناتجة عنها، ويبقى الاستثمار الأمثل في التوعية المجتمعية واشراك المجتمع وتنفيذ الحملات التوعوية بخصوص النظافة الشخصية والمجتمعية اهم المحاور الاساسية في مواجهة تفشي المرض والحد من انتشاره.
وختاما، نستطيع القول انه من المؤلم حقيقة في هذا الوقت من الزمن وخصوصا في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي ظهور نقص حاد في كمية لقاحات الكوليرا للمخزون الاستراتيجي العالمي، والذي يظهر صداه جليا من خلال قرار منظمة الصحة العالمية بضرورة الاستعاضة عن استخدام نظام الجرعتين من اللقاح باستخدام جرعة واحدة فقط لضمان اعطاء اللقاح لاكبر مجموعة من المصابين، مما يعطي مؤشرا حقيقيا على عدم توفر الجاهزية العالمية لمواجهة هذا الوباء المعروف منذ سنين، اخذين بعين الاعتبار العلامات التي تنذر بوضع حرج ينتظرنا نوعا ما اذا لم يتم مراجعة القرارات التي اتخذت مؤخرا، وخصوصا اننا شهدنا انتشارا للوباء في 13 دولة لاول مرة لم تكن الكوليرا سبق وانتشرت بها من اصل 30 دولة نشهد بها الانتشار حاليا.