كتب المهندس سليم البطاينة..
اسئلة للمستقبل تطرح بعمق: هل اليمين المتطرف سيحكم العالم قريباً ؟ وهل سيستمر صعوده في العالم ، وكيف سيؤثر ذلك في السياسة والاقتصاد العالميين ؟وهل ستتمكن الحركات القومية الجديدة من ترسيخ أقدامها في الدول التي وصلت فيها لسدة الحكم ؟ والمقصود في سؤالي هذا يتجاوز حدود اللحظة في مفهومها الزمني ! أي اللحظة التي تحمل دلالة التحول والتغير الغير مسبوق منذ عام ١٩٤٥، فعلى أي صورة سيستقر العالم بعد سنوات ؟ وكم سيحتاج القرن ٢١ ليستقر على حال ما ؟ وما القوى الجديدة القادمة التي ستقود العالم بعد سنوات ؟ هل هي قوة الرأي العام والشعوب ؟ أم الاقتصاد وتكنولوجيا المعرفة ؟ أم هي قوة السلاح ؟
برأيي أن تقدير الموقف ليس عملية تنجيم فالأمر يبدو لنا اليوم أكثر تعقيداً لأننا أمام ظاهرة عالمية وليست اوروبية فقط، وطفرة كبيرة للفكر اليميني المتطرف الذي أصبح ينتشر عبر العالم بسرعة غير مسبوقة … فالمعسكر المحافظ الذي يحرجه اليمين المتطرف اصبح مرغماً على تكييف استراتيجيته.
فالوضع الراهن يشير ان العالم يتغير، واليمين القومي في أوروبا اليوم هو أكثر شعبية من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مستفيدين من أزمة المهاجرين وحالة الاستياء من النخب السياسية التقليدية، حيث تتشارك الأحزاب اليمينية في النزعة القومية القائمة على رفض المهاجرين والدعوة إلى هوية وطنية نقية.
ويسرّع نجاح الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا إلى نوع من المراجعات السياسية وإلى اعادة تشكيل المشهد السياسي من جديد، فمن أقصى غرب العالم إلى شرقه تلوح المؤشرات الدالة على الانعطافات الكبيرة الجارية على المسرح … فزلزال المتغيرات الدولية يضرب العالم كله، وإن جماعات اليمين المتطرف في أوروبا ومعظم دول العالم خرجت من دائرة الغضب لكي تصبح جزءاً من التيار السياسي في بلادها ، فقد حققت انتصارات واسعة واقتحمت الميدان السياسي هذا العام وتحولت إلى جزء من العملية السياسية بعد فوز لها في السويد وفرنسا واليونان والمجر وصربيا والبوسنة والهرسك والنمسا.
علمًا أن تلك الأحزاب المتطرفة لم تكن في السابق تستطيع التعبير صراحة عن جذورها عندما كانت الأحزاب اليسارية قوية … وخطورتها لا تكمن فقط في سياسات الكراهية ضد الأجانب بل على مستقبل الديمقراطية وعلى القيم المتمثلة أساساً في احترام حقوق الإنسان وكرامته.
في ألمانيا مثلًا أصبح حزب ( البديل من أجل ألمانيا ) وحركة ( Pegida ) اليمنية المتطرفة قوة سياسية لا يستهان بها … أما في أسرائيل فقد عاد بنيامين نتانياهو الحليف الوثيق للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وأطول رئيس وزراء بقاء في المنصب اليميني المتشدد والشخصية الأكثر هيمنة واستقطاباً في جيله إلى مسار الحملة الانتخابية القادمة في إسرائيل المتوقع إجراؤها في تشرين ثاني نوفمبر ٢٠٢٢ في خامس انتخابات عامة في أقل من أربع سنوات.
نحن فعلاً أمام تحول تاريخي في أوروبا خاصة ومعظم دول العالم عامة وصفته صحيفة Le Monde .fr الفرنسية قبل أسبوع بالزلزال السياسي ، حيث باتت التحالفات اليمينية المتطرفة المعادية للهجرة والمهاجرين خصوصاً من دول الجنوب تحكم دولها ، وتُهيمن على برلمانها ، وهو ما لم تشهده القارة العجوز منذ الحرب العالمية الثانية.
فعبر التاريخ لا يحدث التغير بشكل مُفاجىء فقد أصبحت قدرة دول العالم على الضبط أضعف مما كانت عليه سابقاً، فللتاريخ مسار لا ينتهي، والزمن يتبدل ولا يوجد ثبات، وكل الأشياء تموت وتولد من جديد، فعندما قال الفيلسوف الإيطالي ( Antonio Gramsci ) مقولته الشهيرة ( العالم القديم يحتضر ) والجديد يتأخر في الولادة ، وما بين العتمة والضوء تظهر الوحوش ، لم يكن بالتأكيد يقصد وضع العالم حاليا.
وإذا صح ان العالم يتجه صوب حُكم اليمين المتطرف حينها ستزداد الحاجة إلى أدوار الدول التي تتسم سياستها بالحكمة ، ويقدم كل منها نموذجاً للحد من الاحتقان حتى تنضج ظروف التحول نحو نظام عالمي جديد يؤمل أن يكون توافقياً في تحقيق استقرار العالم والخروج من الفوضى الحالية لمواجهة أخطار تُهدد الكون كله.