كتب د.حسام العتوم..
ارتأى مليكنا الراحل العظيم الحسين بن طلال- طيب الله ثراه- تأسيس وزارة الإعلام بالارتكاز على مديرية التوجيه الوطني، وشهد عام 1964 ميلادها، وكان صلاح أبو زيد أول وزير لها، وتمكنت من الدفاع عن الأردن والترويج لسياساته ردحًا من الزمن، وعبر الأردن حروبًا شرسة مع (إسرائيل) في الأعوام 1967 و1968 و1973، خسر واحدة منها وقبلها عام 1948 أيضًا بسبب ضعف القرار العربي وغياب وحدة العرب الحقيقية، وحقق نصرًا كاسحًا في الكرامة بجهد مباشر لجيشنا العربي- القوات المسلحة الأردنية الباسلة، وبمشاركة للمقاومة الفلسطينية، من وسط الخندق الواحد الأردني – الفلسطيني الشجاع، وكان لجيشنا العربي الأردني حضور متميز في حرب تشرين بهدف تحرير الهضبة العربية السورية – الجولان عام 1973، ولعب الإعلام الأردني في عهد وزارة الإعلام دورًا متقدمًا في إسناد الانتصارات الأردنية البطلة، وكانت شاهدة عيان على الحرب العراقية- الإيرانية 1980-1988 التي وقف الأردن فيها بقيادة الملك الحسين الراحل إلى جانب البوابة العراقية للتصدي للغزو الفارسي/ الصفوي- الإيراني، وشاهدة عيان على توقيع معاهدة سلام الند للند مع (إسرائيل) في وادي عربة عام 1994 لضمان حقوق الأردن في الأرض والمياه، وهو الأمر الذي أسس لعودة إقليمي (الباقورة والغمر) بجهد أردني مباشر تصدره جلالة الملك عبد الله الثاني، وتحول لعملية تحرير حقيقية عام 2019 وفقًا لبنود معاهدة السلام، لكن الحاجة للانفتاح على الداخل والخارج الأردني، والتمكن في المقابل من رصد سلبيات المسيرة الإعلامية الأردنية وبشجاعة مثل ضعف العمل الميداني، ولضرورة الاعتراف بالرأي الآخر كما الأول، والحاجة لاستقلالية المؤسسات الإعلامية، وللدفع بالرقابة الإعلامية السابقة والحالية واللاحقة صوب الرقابة الذاتية ما أمكن، وللتوجه للتطور التقني الإعلامي ولمواكبة العصر، ولمتابعة الشأنين المادي والمعنوي للصحفي والإعلامي الأردني، وهو ما حصل عام 1996 في عهد حكومة عبد الكريم الكباريتي، وهي التي عرفت بحكومة “الثورة البيضاء” على كل ما هو تقليدي، ويسجل الجهد الكبير في التحول من وزارة الإعلام إلى إعلام من دون وزارة للوزير الدكتور مروان المعشر الذي رغب بأن يأتي حل الوزارة متأخرًا بعد الانتهاء من مأسسة أجهزة الإعلام الأردني في الميدان، وهو من جدّف بإتجاه تشكيل مجلسين لإدارة وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، والإذاعة والتلفزيون بهدف تطوير سياستيهما الإعلامية، ودعا وقتها لتشكيل هيئة لإدارة دائرة المطبوعات والنشر، وتحويل مسمى وزير الإعلام إلى وزير دولة لشؤون الإعلام يعمل في مكتب تنسيق إعلامي داخل رئاسة الوزراء ويحرص على عقد المؤتمرات الإعلامية بشكل دوري متواصل وحسب القضايا الوطنية التي تظهر، وهي التي تحوّل مكان عقدها من المركز الثقافي الملكي إلى رئاسة الوزراء.
والمسافة الفاصلة بين الإعلام الأردني بوزارة ومن دون وزارة فسرتها لنا المادة 15 من الدستور الأردني “تكفل الدولة حرية الرأي ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ان لا يتجاوز حدود القانون”، وتوجه حكومي عام 2003 لتحقيق عملية الإنتقال وفورًا في عهد حكومة فيصل الفايز من الإدارة المركزية للإعلام إلى اللامركزية، وهو الذي بدأ فعلا بالتخلص من وزارة الإعلام، ومن دائرة المطبوعات والنشر، ومن الرقابة العلنية الإعلامية وتحويلها إلى خافتة هادئة ذاتية، وجيء بهيئة الإعلام (المطبوع والمسموع والمرئي) لمواصلة الرقابة عبر عقود عمل القنوات الإعلامية، وتنظيم عمل شبكة المراسلين العرب والأجانب، ومنح التراخيص للقنوات وللتقنيات، وعقد المؤتمرات الإعلامية، ورصد الشكاوى الذي دخل المعهد الإعلامي الأردني على خطه برصد الأخطاء الإعلامية عبر مرصده “اكيد”، وعملت بقانون، واختير لقيادتها رجالات القانون، وتحول عمل المجالس الإعلامية المشرفة على مؤسستي الإذاعة والتلفزيون ووكالة الانباء الأردنية إلى أخلاقية راسمة للسياسات الاعلامية الوطنية، أو هكذا كان المأمول، وبدأنا نلحظ فجوة بين القناتين والمحطتين التلفزيونيتين “عمان العريقة”، و “المملكة الحديثة” وخلط في الاختصاص لكل منهما، وابتعاد عن السياسة، ومنها الدولية وسط البرامج المسائية وحتى الاقتصادية، والاكتفاء بالمقابلات، ومدينة اعلامية حره تنتج للداخل الأردني الدراما والقنوات الإخبارية والصحفية والمتلفزة بما يتماشى وسقف الحرية في الأردن وهو المختلف عن السقف العربي والأجنبي بطبيعة الحال، ولماذا لا تكون الحالة الاعلامية العربية واحدة، وصورة الحرية الاعلامية واحدة؟.
ولم نرصد لغاية الآن قدرة مجلسي الادراة في وكالة الأنباء والإذاعة والتلفزيون على ضبط تدخل الخارج السياسي بالداخل السياسي الإعلامي، وما لا يعجب الخارج نواصل في الداخل التمسك بعدم الخروج عن نصه، والمعروف بأن عمقنا الأردني ومنه الإعلامي عربي، ونطمع بعلاقات دولية متوازنة مع العالم، ولسنا رسميا طرفا في أية أزمة دولية تنشب هنا وهناك، وأسجل هنا ثانية اقتراحي لتشكيل مجلس استشاري إعلامي بديل عالي الشأن “مطبوع ومسموع ومرئي” يشترك في رسم معالمه كبار الخبراء الإعلاميين الأردنيين الأكاديميين والمهنيين بهدف رسم صورة إعلامية جديدة تليق بهيبة الدولة والوطن، ولا يوجد ما يمنع فتح الطريق أمام ميلاد وكالة أنباء خاصة أردنية من شأنها رفع سقف الحرية الإعلامية في الأردن، وتوحيد المشهد الإعلامي الأردني للتحول بقوة من الاعلام الحكومي إلى اعلام الدولة والوطن ليصبح “رسمي وخاص وعسكري” كما أذكر، ومع خالص الاحترام والاعتزاز بمنظومتنا الامنية الوطنية بكل تأكيد، ومنح حقيبة الاعلام حرية الحركة والحديث والتصريح عبر المؤتمرات الاعلامية المشتركة ذات العلاقة بالقضايا الوطنية الكبيرة، ونهاية المطاف وطننا واحد، وقيادتنا اردنية هاشمية واحدة نعتز بها جميعا، وبسيد البلاد جلالة الملك عبد الله الثاني راعي المسيرة “حفظه الله”، ومن يتابع الخطابات الملكية لجلالة الملك عبد الله الثاني التي وجهت للحكومات الاردنية تباعا فور تشكيلها سيلاحظ اشارات الرغبة الملكية في التغيير والتغير صوب الانفتاح والتطور وصناعة مستقبل واعد للوطن والاجيال المتعاقبة.
وستبقى الرؤية الملكية للإعلام الأردني هي الأساس، وهي القنديل، والبوصلة التي تحدد لنا معالم طريق الإعلام والوطن، وجلالته دعا للعمل الميداني، وللاعتراف بالرأي الآخر كما الأول، وللشفافية في التعامل مع المواطن وقضايا الوطن، وهي التي نعرفها جميعا، وتكرر نفسها عابرة من مئوية أولى إلى ثانية، وهي محتاجة ليقود الإعلام من أجلها العمل التنموي الشامل وسط قضايا “الفقر، والبطالة، وشح وتلوث المياه، والتصحر والصحراء، وقضايا الفساد أيضا. والاهتمام بالتطور التقني، والانفتاح على الوطن وعلاقاته الخارجية من الإشارات الممكن لمسها في متن الرؤية الملكية للإعلام كذلك.
والنقد البناء في الإعلام الأردني الوطني هو المطلوب، وطرح البديل في القضايا الوطنية أساس للعمل، وقبول الرأي الآخر، والحوار الهادئ يرفع أيضا من سقف الحرية الإعلامية في بلدنا، ويواجه ما يسمى بالمعارضة الخارجية التي تمارس الردح الإعلامي والسياسي غير الملتزم بهدف تشويه صورة الوطن الخط الأحمر، بينما نحن في الأردن بحاجة ماسة لمواصلة البناء ولنشر المعامل والمصانع والشركات إلى جانب المدارس المعاهد، والجامعات، والنقابات، والأندية، ليتعافى الوطن وأجياله الشابة الصاعدة وسط عالم متقلب يتجه من أحادية القطب إلى الأقطاب المتعددة وسط حرب بالوكالة باتت أوراقها مكشوفة ويصعب تغطيتها بغربال.