كتب م. مهند عباس حدادين
من خلال قراءة المشهد السياسي والعسكري للحرب الروسية- الأوكرانية في شهرها التاسع نرى أن هناك تحركات سياسية وأخرى عسكرية متزامنة سنقوم بتحليلها في هذه المقالة وهل هناك ربط بينها أم هي مجرد محض الصدفة.
شهد هذا الإسبوع محادثات سرية بين سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي مع أحد مساعدي بوتين وهو مستشار السياسة الخارجية له وقبلها مستشار الأمن القومي الروسي ,وقد طلبت واشنطن بعدها من أوكرانيا أن تبدي إنفتاحها على التفاوض مع روسيا وهذا ما خرج به الرئيس الأوكراني بإعلانه إمكانية التفاوض مع روسيا شرط الإنسحاب من الأراضي الاوكرانية ودفع تعويض عن أضرار الحرب.
إن الإعلان الحالي عن التفاوض جاء بهذا التوقيت لتطمئن الولايات المتحدة حلفائها الأوروبيين بأن الحرب لن تستمر لفترة طويلة ,خشية من إنقلاب الأوروبيين في موقفهم تجاه هذه الحرب بعد معاناتهم من غلاء في أسعار السلع والطاقة وقلة الإمدادات لها وضغط الشارع الأوروبي على حكوماتهم , وقد شاهدت بأُم عيني الغلاء الغير مسبوق في أوروبا وخصوصاً في ألمانيا عند زيارتي لها الإسبوع الماضي بخلاف زياراتي السابقة لها ,وسمعت منهم أن هناك موجة غلاء أخرى تنتظرهم الشهر القادم.
لقد تزامنت المحادثات بين أمريكيا وروسيا مع إعلان مفاجىء من قبل الجانب الروسي الإنسحاب من مدينة خيرسون والتي تقع غرب نهر دنيبرو ,لتكون جميع القوات الروسية شرق النهر في جميع المقاطعات الأربع , هل جاء ذلك إنسحاباً سياسياً قبل مرحلة مفاوضات جديدة بين روسيا وأوكرانيا بإتفاق سري بين أمريكيا وروسيا بأن يتم تقسيم أوكرانيا لشرقية وغربية يفصل بينهما هذا النهر, بحيث تدخل أوكرانيا الغربية حلف الناتو وتبقى الشرقية ضمن السيادة الروسية وتكون كلتاهما منزوعة السلاح ؟ ويتم التفاوض على الأمور الأخرى ضمن جدول زمني يحدد لاحقاً.
وفي الجانب الآخر , الجانب العسكري هل أتى قرار إنسحاب القوات الروسية من مدينة خيرسون مفصولاً عن أي قرارات سياسية أو دبلوماسية؟ وهل يمكن وصف هذا الإنسحاب بالتكتيكي وقد سبقه إنسحابين آخرين للقوات الروسية الأول كان حول مدينة كييف والآخر من منطقة خاركيف, وهذا الإنسحاب يُفسَر من عدة جوانب هي :
1) إستدراج روسي للقوات الأوكرانية لهذه المدينة بعد إخلائها وتلغيمها والإنقضاض عليها بعد تقدُم القوات الأوكرانية .
2) إلهاء القوات الأوكرانية والتركيز على هذا المحور وذلك بعمل خط دفاعي روسي منيع شرق نهر دنيبرو , وبنفس الوقت تقوم القوات الروسية بإستدراج القوات الأوكرانية للحشد بهذه المنطقة من مختلف مناطق أوكرانيا وخصوصاً الشمالية والتي تُحضر روسيا لمعركة الشتاء والتي ستنطلق من شمال أوكرانيا .
3) حماية المدنيين والجيش الروسي المنسحب من خطر تفجير السد على نهر دنيبرو القريب من المدينة خشية إغراقها, حيث تم إجلاء قرابة 115 ألف مواطن من المدينة وتوزيعهم على منطقة القرم وشرق النهر والتي أشرت لها بمقالي السابق قبل قرار الإنسحاب.
4) أما الهدف الرابع وحسب الرواية الغربية فإن الإنسحاب جاء لنقص الإمدادات الروسية اللوجستية لمدينة خيرسون وخصوصاً بعد تفجير جسر القرم , فهذا الإنسحاب سيؤمن سلامة المدنيين والعسكريين لحين وصول الإمدادات والدعم العسكري لتقوم روسيا بإحتلالها من جديد.
إن القوات الأوكرانية وبدعم غربي تعتقد أن مفتاح إسترداد المقاطعات الأربع يبدأ من خيرسون وكذلك إسترداد جزيرة القرم , وهذا ما تُحاول الولايات المتحدة إثباته وخصوصاً لتبرير الدعم العسكري لأوكرانيا سواء فاز الديمقراطيين أم الجمهوريين الذي لا تزال إنتخاباتهم متأرجحة وهذا أيضاً ما ذكرته بمقالتي السابقة.