كتب المهندس سليم البطاينة…
لطالما كانت أزمة الديموغرافيا في الاردن محط نقاش وجدل بحيث تم اختزالها بوصفات وروشيتات الدول المانحة، فقد كانت تحولات الزمن الاردني تكشف بصورة تدريجية عن التناسب العكسي بين زيادة عدد السكان والنمو الإقتصادي في الاردن لأسباب كثيرة نعرفها جميعا تسببت بتراجع معدلات التنمية الاقتصادية… حيث تضاعف عدد السكان بصورة غير مسبوقة خلال العشرين عامًا السابقة لم يواكب فيها تضخم حجم السكان كمياً سياسات تنمويه واقتصادية نوعية ، فقد حال كل ذلك بناء اقتصاد وطني.
وإذا نظرنا إلى المؤشرات الديموغرافية الحالية في الأردن نلاحظ أنها مؤشرات شاذة وغير مقبولة من حيث مخاطرها وآثارها المهددة اجتماعيا وثقافياً وأمنياً، فالأردن يشهد تحولاً ديموغرافياً وخللاً في تركيبته السكانية من شأنه إعادة رسم الخريطة السكانية وإعادة تشكيل التنمية الإقتصادية … فالعلاقة بين المتغيرات التنموية الاجتماعية والأقتصادية والسياسية والثقافية من جهة والمتغيرات السكانية من جهة أخرى لها علاقة تأثير وتأثر متبادلة لإيجاد التوازن بينها وبين التنمية.
والزيادة السكانية كما هو معروف تُجهض التنمية وتزيد الفقر وتقلل نصيب الفرد في الدخل وتؤثر على مخرجات العملية التعليمية وتضعف سوق العمل وتحد من جودة القوى البشرية ، وتنعكس سلباً على مستوى الخدمات بشكل عام المقدمة للأفراد.
فالسياسة السكانية سواء كانت معلنة أو غير معلنة هي عبارة عن وثيقة تتضمن سرداً لنية أو خطة الدولة للتأثير في حجم وتركيبة السكان، ومسألة الخلل أو التوازن هي وصف للعلاقة بين عناصر طرفي معادلة السكان والتنمية وحركة هذه العناصر عبر الزمن.
والتركيبة السكانية الحالية لا تحظى باهتمام الدولة ومؤسساتها نهائياً ، ولا تحظى أيضاً بأي تحليل أو دراسة حقيقية، والاردنيون ما زالوا غير واعيين للعملية الزاحفة والتغير الديموغرافي الحاصل ، لا بل على العكس ينكرون الواقع الحالي.
وكما هو معروف أن لكل دولة حجماً أمثل للسكان، وبحسب النظريات الاقتصادية العالمية فإن الأردن بحاجة إلى معدل نمو اقتصادي يعادل ثلاثة أضعاف معدل النمو السكاني ليكون قادراً على توفير جميع الخدمات.
لذا يجب أن يتناسب معدل زيادة عدد السكان مع معدل النمو الاقتصادي حتى تستطيع الدولة توفير كل الخدمات ليشعر المواطن بتحسن الأحوال … فعلى سبيل المثال من شاهد وقرأ المشوار التنموي للدول الأوربية الغربية يلاحظ أنها بدأت بقاعدة سكانية متواضعة ، ثم رافق النمو الاقتصادي نمو سكاني بطيء لم يتجاوز حدود الاقتصاد.
فبعد مؤتمر بروكسل ( أيار ٢٠٢٢ ) السادس الذي نظمه الاتحاد الاوروبي وشاركت به الأمم المتحدة ( هو المؤتمر العاشر حول سوريا بعد ثلاثة مؤتمرات أستضافتها الكويت بين عامي ٢٠١٣-٢٠١٥ ، ومؤتمر لندن في عام ٢٠١٦ ) تعهدت فيه الدول المانحة بتقديم ما يقارب ٦،٤ مليار يورو لدعم الدول المستضيفة للاجئين السوريين، كتبت صحفية The Brussels Time البلجيكية الناطقة باللغة الانجليزية وصحيفة Der Speigel الالمانية أن هناك مؤشرات على صفقات توطين للنازحين السوريين في بلدان النزوح ( الأردن ولبنان )، وأن البلدان سيواجهان في الأيام القادمة خللاً في تركيبتهم السكانية وتغيراً غير مسبوق في الديموغرافيا.
أما صحيفة The Economist اللندنية عقّبت على مخرجات مؤتمر بروكسل السادس بأن الجغرافيا الأردنية بعد اتفاقية سايكس بيكو شكلت مساحة واسعة يجري من خلالها أحتواء النتائج الديموغرافية التي تُنتجها الحروب والنزاعات داخل الاقليم، ورأى ان الأردن هو أولاً وأخيراً ملاذاً للاجئين بسبب وقوعه على مفترق طرق داخل منطقة مضطربة ، وله سجل حافل وطويل في استقبال اللاجئين … ومنذ تأسيس المملكة كانت فكرة في أن يصبح الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين تشكل حيزاً كبيراً في السيكولوجيا السياسية الاردنية.
فالعديد من الدول المانحة للأردن تسعى جاهدة لتوطين اللاجئيين السوريين في الأردن ولبنان ، ويدعون إلى ذلك أحياناً داخل غرف مغلقة وأحياناً أخرى تلميحاً ومواربة باستخدام الإغراء والإغواء من أجل ذلك بحجة أن طريق العودة إلى سوريا ما زالت فكرة بعيدة المدى.
إنها ملفات شائكة ومعقدة والخوض فيها يتطلب أجتياح الخطوط الملونة … وخوف الأردنيين القادم هو البحث عن هوية وأوراق ثبوتية لهم !! فهنالك على ما يبدو حالة من البراغماتية والسردية السياسية في موضوع التوطين والتجنيس !!! والغموض يلف مستقبل الهوية الأردنية على نحو لا يترك مجالاً للتنبؤ بما ستكون عليه الأمور غداً … فالساحة الأردنية ليست بحاجة إلى المزيد من التعقيد وإن ما يجري ويُخطط له سيدفع فاتورته الأردنيين من شتى أصولهم ومنابتهم عبر الانعكاس المباشر على تردي أوضاعهم المعيشية والإقتصادية.
وبواعث القلق تعود لتسريبات من داخل غرف مغلقة ، والأسئلة التي يفرض الظرف الأجابة عليها ولم تعد تقبل التأجيل، هل الأردن أمام مخيمات بدأت تحت شعار المؤقت الذي لا ينتهي ؟ وهل نحن أمام قنابل ديموغرافية قادمة ؟
وللأسف لا ادري لماذا نذهب إلى أخر الصفحات عندما يتعلق الأمر بالسؤال عن مستقبلنا، فالمعطيات على الارض فتحت الباب مشرعاً أمام فيض من الأسئلة، ومهما كانت الأجابة عليها فأنها تضعنا أمام ضرورة أن نقول بصوت عالٍ إين هي الحقيقة ؟