كتب الدكتور عادل الطويسي
أورد الزوجان ويل واريال ديورانت أقصر تعريف لمصطلح “الثقافة” في كتابهما الموسوعي المؤلف من أحد عشر مجلدا، وهو أن “الثقافة طرق العيش والتفكير لشعب ما”. وبهذا جمع هذا التعريف الجانبين المادي (الملموس) وغير المادي لعناصر الثقافة.
ويشترك سكان العالم على اختلاف ثقافاتهم في عناصر كثيرة من الثقافة، سواء المادية أو غير المادية، وهي عناصر تكوّن عالمية الثقافة الإنسانية بشكل عام. الا أن لكل شعب من شعوب العالم خصوصيات ثقافية يتمسك بها ولا يتنازل عنها، الا اذا كانت ليست ذات تأثير كبير على مجريات طرق التفكير والعيش لدى ذلك الشعب. ولهذا نجحت العولمة الثقافية في تعميم بعض طرق العيش لدى معظم شعوب العالم كتعميم الوجبات السريعة (مثل ماكدونالدز) وكذلك انتشار اللباس والأزياء الغربية.
ويسود العالم اتجاهان في العولمة الثقافية: اتجاه يدعو الى صهر ثقافات كافة الأمم في بوتقة واحدة هي ثقافة الأمم ذات القوة العسكرية والاقتصادية. كما يعمل هذا الاتجاه على الغاء خصوصيات ثقافات الأمم الأخرى الضعيفة عسكريا أو اقتصاديا. و الاتجاه الثاني ، وهو الذي تتبناه منظمة اليونسكو، التي أصدرت الإعلان العالمي للتنوع الثقافي عام 2001 والذي أكد على احترام خصوصيات ثقافة كل شعب وعدم محاولة الغاء تلك الخصوصيات.
تدافع الأمم عن خصوصيات ثقافاتها، وتعتبر بعض عناصرها من المحرمات التي لا تنازل عنها بأي شكل من الأشكال، خاصة تلك العناصر ذات العلاقة بالدين واللغة.
وبهذا يمكن اعتبار النسخة الأولى من محاولات العولمة الثقافية (تلك التي تتبناها كثير من الدول ذات القوة العسكرية أو الاقتصادية) النسخة الرديئة للعولمة الثقافية؛ كونها لا تحترم خصوصيات ثقافات الشعوب الأخرى، بل وتحاول صهرها في بوتقة ثقافاتها.
في مونديال كأس العالم لهذا العام (2022) تواجه الدولة المضيفة “قطر” النسخة الرديئة للعولمة الثقافية بأن رفضت الغاء خصوصيات ثقافتها ( النابعة من القومية العربية والدين الإسلامي)، وأعلنت عن رفض رفع شعار المثلية الجنسية في المونديال، ومنع تناول الكحول في مدرجات الملاعب. ويخطئ من يظن أنّ هاتين المفردتين الثقافيتين تخصان الشعب القطري ، أو حتى الأمة الإسلامية وحدها. فمعظم أتباع الديانة المسيحية في العالم ( البالغ عددهم قرابة 34% من سكان العالم) هم كذلك ممن يرفضون المثلية الجنسية.
لقد مارست دولة قطر حقوقها الثقافية، وطبّقت اعلان اليونسكو العالمي للتنوع الثقافي الصادر عام 2001 والداعي لاحترام خصوصيات ثقافة كل شعب من شعوب العالم، ورفضت النسخة الرديئة من العولمة الثقافية التي تدعو الى صهر ثقافات الأمم كلها في بوتقة واحدة هي ثقافة الأقوى عسكريا واقتصاديا.