كتب المهندس سليم البطاينة
تمهّل ! عنوان المقال ليس لي فهو عبارة عن فقرة اقتبستها من كتاب سيصدر قريبًا في الولايات المتحدة الامريكية بعنوان The Divider : Trump in the White House 2017-2021 للمؤلفين Susan Glasser الكاتبة في صحيفة ( NewYorker ) و Peter Baker مراسل صحيفة نيورك تايمز في البيت الأبيض والذي تم نشر مقتطفات منه في صحيفة ( The Washington Post )ويستند على تقارير مهمة و ٣٠٠ مقابلة حصرية إضافة إلى مذكرات خاصة وبريد الكتروني ورسائل ووثائق مهمة كوثيقة باسم عوض الله – صائب عريقات.
ونشر الكتاب حوارًا بين الملك عبدالله الثاني وصحفي امريكي أشار فيه الملك الى العرض الذي قدمه له الرئيس الامريكي ترامب في عام ٢٠١٨ لضم الضفة الغربية للاردن ، حيث قال الملك لمحدثه أني كدت أصاب بنوبة قلبية عندما سمعت منه هذا الكلام ولم أستطع حينها التنفس.
وركز أيضًا الكتاب على جانب مهم لنا وهو عودة اليمين الاسرائيلي بقيادة نتنياهو إلى سدة الحكم في إسرائيل ، وأن إسرائيل بنظر مؤلفي الكتاب لم تعد تنظر للأردن على أنه صمام أمان للأمن الاسرائيلي كما كان سابقاً، وأن الوقت الآن ملائم لفرض الخيار الأردني لاحتواء القضية الفلسطينية خاصة ان إسرائيل تعتبر هذه المرحلة هي الأفضل لمثل هذا الخيار خصوصاً في ظل الإنقسام الفلسطيني وحالة الضعف العربي بالهرولة نحو إسرائيل ، والمناخ الدولي حيث ما زالت أمريكا تنظر للصراع العربي الاسرائيلي من زاوية إدارة الصراع لا حلّه وبشكل منحاز لإسرائيل.
وإن انكشاف الأردن أمام أزماته الداخلية سيجعله عُرضة لضغوط السياسة الأمريكية ولن يستطيع الصمود طويلاً أمام الضغوط التي ستُمارس عليه، فالولايات المتحدة الأمريكية تقدم للأردن مساعدات بنحو ١،٦ مليار دولار سنوياً ولديها ١٥ قاعدة عسكرية على الاراضي الاردنية ( ٢٥ الف عسكري امريكي )، والاردن تُصدّر لأمريكا بضائع مختلفة بنحو ١،٥ مليار دولار.
وربما تكون الضغوطات والمغريات أقوى من قدرته على الصمود بوجهها ، حيث أن المنطقة شهدت وما زالت تشهد متغيرات جذرية على كافة الأصعدة لم تكن في دائرة التوقعات في زمن سابق … انتهى الاقتباس.
فمنذُ سنوات طويلة ونحن نسمع مصطلح الوطن البديل ومصطلح الخيار الأردني، والأردن كان ولايزال يرفض أية مشاريع لتصفية القضية الفلسطينية وبشكل حاسم لا يقبل التأويل كما جاء على لسان الملك شخصياً في عدة لقاءات داخلية وخارجية، حيث قال الملك ان هذا الكلام ساذج لا يستحق الرد عليه رافضاً اي دور سياسي او أمني في الضفة الغربية.
فالكنفدرالية أو الفيدرالية قبل قيام دولة فلسطينية يعترف بها العالم أجمع تعني تمريراً لمشاريع صهيو – أمريكية لتصفية القضية الفلسطينية، وأي حل في جوهره تصفية القضية الفلسطينية سيشكل خطراً استراتيجياً على الأردن وفلسطين معاً.
فالمطروح على ما يبدو هو إعطاء الأردن السكان والسيادة الأمنية على الضفة الغربية وليس السيادة السياسية، وتسليم الفلسطينين إلى الأردن كرعايا دون دولة ودون إستقلال ودون أرض ودون قضية فلسطينية بحيث يكون الاردن وكيلاً أمنياً عن إسرائيل في إدارة الضفة الغربية والتي سيقتطع منها ما مساحته ٣٠٪ حسب إتفاقية صفقة القرن التي طرحها الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، وهذا القرار لا يتحتاج أكثر من قرار حكومي اسرائيلي وسيحظى بالاغلبية المطلقة داخل الحكومة والكنيست.
عموماً الخطر الاسرائيلي حالياً على الاردن هو وجودي ، وإسرائيل في مأزق ديموغرافي والحل بنظر اليمين الاسرائيلي بتحميل الأردن الكلفة الأكبر وبتأييد كثير من الدول العربية المهرولة نحو إسرائيل.
فقبل شهر نشر مركز Jaffee Center for strategic studies ) ( JCSS ) Israel والذي يعد خزان المعلومات الرئيس لدى إسرائيل، ويحتل المركز الأول بين مختلف مؤسسات البحوث الاسرائيلية من حيث اهتمامه بالشؤون الاستراتيجية المتعلقة بإسرائيل دراسة له طرح فيها الخيار الأردني مرة أخرى كبديل للسلطة الفلسطينية التي انتهى دورها الوظيفي على حد قولهم ! حيث أوضحت الدراسة أن الخيار الأردني يعني توحيد الكيان الفلسطيني فدرالياً مع الأردن ، وذلك بعد الانسحاب الاسرائيلي من جانب واحد من الضفة الغربية كما حدث في قطاع غزة ونقل سيادتها الأمنية للأردن ! مما يعني نقل الهاجس الديموغرافي في إسرائيل إلى الأردن … الأمر الذي سينتج عنه تغيراً في الميزان الديموغرافي الأردني.
ما تحتاجه الاردن أن تعرف أين تقف بالضبط، فلابد من مراجعة السياسات وفتح نوافذ الحوار وممارسة لعبة التوازن بلا مصادرة أو رقابة وفتح الخيارات وطرح البدائل وبناء جبهة داخلية لمواجهة المشروع الصهيوني الامريكي وخلق حوار سياسي بين النُخب المختلفة المُغيبة قسراً ، فيما يتعلق بموضوع الخيار الاردني لانها تؤثر على الامن الوطني والمصالح الاستراتيجية الأردنية … فكلما كان هناك حوار وطني حقيقي كلما كان سقف الحرية مرتفعاً ، وهذا سيمكن الاردن من الوقوف بصورة صلبة أمام فرض المشروع الكونيالي الصهيوني والعكس صحيح.
فالوعي جزء من السياسة، وفي السياسة لا يوجد حد فاصل بين الفضيلة والرذيلة فكثيراً ما يتبادل الاثنان موضوعهما وكثيراً ما شاهدنا في واقعنا العربي أن كفة الرذيلة غلبت كفة الفضيلة، فأن نندم على الكلام افضل من ان نندم على الصمت، فالباطل يعطّل الحقيقة، ومن حقنا أن ننظر في المرآة ونطل على الحقائق، فهناك امور يمكن لنا تلمسها نتيجة تقديرات وتوقعات لكنها في اغلب الاحيان لا تبتعد عن حجم المعرفة العادية.
بإعتقادي أن اتفاقات اوسلو ووادي عربة اصبحت من الماضي، وإسرائيل حالياً بعد عودة نتنياهو ستضع كل ثقلها وراء الخيار الاردني لتعديل مركزية القضية الفلسطينية وانهاء الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية وانهاء القضية عن بكرة ابيها وإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة كاملة بإعادة توزيع الأدوار من جديد بين دول المنطقة.
كل الخيارات صعبة وجميع السيناريوهات معقدة خصوصا في غياب الوطن العربي وتخليه عن القضية الفلسطينية.
عمومًا كل ما يطرح حول مشروع الوطن البديل والخيار الاردني مرفوض بشدّة من قبل الاردنيين والفلسطينيين على حد سواء، على الأقل حتى هذه اللحظة : فهل يمكن ان تتغير المعطيات والظروف السياسية لدرجةٍ تجعل من هذا الحل هو المخرج الوحيد ؟ فأجواء الشك التي تسيطر على الرأي العام في الأردن تقول أن أمريكا على أستعداد للتضحية بالأردن من أجل تصفية القضية.