كتب المهندس سليم البطاينة..
لا نعرف كم يحتاج المرء من العمى لكي يعرف أنه أعمى؟ وكيف سيخبر الأخرس صديقه الأعمى أن والده قد توفى ! فأذا كان الفهم مستحيلاً فإن محاولة المعرفة ضرورية !
إن الكتابة عن واقع الأردن الحالي عزف منفرد ! ولا فائدة من الحديث إن لم يقرأ المشهد كجملة واحدة ، فأجواء البيت السياسي الداخلي لم تتغير منذُ زمن ، و ما زالت الدولة تُمارس حياتها بعيدة عنا ! وجميع الإصلاحات المطروحة شكلية معدة للتسويق الخارجي
علامات أستفهام كبيرة تحوم فوق روؤس الأردنيين ؛ وين رايحين ؟ وإلى متى ؟ وأين العقلاء من هذا التدهور الذي يجر البلاد والناس إلى هاوية بلا قرار ! فعلامات الأستفهام لا تقابلها سوى علامات التعجب عندما تغيب الأجابات ! فهل علينا الصمت ؟ وهل الصمت هو الأفضل ؟ أم أن هنالك مساحة باقية لمن يعرف الحقيقة ؟ فالواضح أنه لم يعد للصمت عُشاق ! وأحداث اليوم هي أحداث الأمس وهي نفسها ستكون أحداث الغد
أقول وأتألم لما يجري في الأردن ! فماذا سيحدث اذا ترسخت الفوضى في كل شيء وأفتقدت إلى كل شيء …. كل شيء ؟ فلم نشهد زمنناً أكثر سوءاً من هذا ! زمن غابت فيه رؤية المستقبل وأفتراضات الأيام ! زمن مصحوب بأن شيء ما مفقود ، وهو في واقع الأمر يأتي في مواجهة الحقيقة ، وفي معرفة من يدفع البلد نحو الفوضى والتخبط ! فالظُلم والفقر والتهميش والبطالة وأنتشار الفساد ، وغياب العدالة الأجتماعية والخُذلان تفتحُ أبواب العصيان والتمرد ! والسبب إنكار الدولة ومكابرتها وأصرارها على سلوك غير مقبول ! فنحن أمام علاقة طرديه كلما غابت السياسات النافعة حلت محلها سموم الأحباط واليأس ! والناظر إلى الحالة الحاليه لا يحتاج إلى جهد أستثنائي ليرى روح الأنكسار لدى الناس ، فمجرد أن تنظر أليهم سترى أنهم أصبحوا كائنات مُحبطة ويائسة وسلبية ! فأحوالهم تسوء يوماً بعد يوم وارزاقهم تضيق ويعيشون في صمت كاذب لا يعرف الطمأنينية
مُوجع هو المشهد الذي كُتب علينا هذه الأيام ، رغم أن غالبية المشاهد في السنوات الأخيرة الماضية كانت كلها موجعة ومؤلمة …. فلا تُصدق من يقول أننا بخير !فما زال الكثير من المسوؤلين الحالين لا يدركون ان أدارة المخاطر أقل كلفة من ادارة الأزمات
نعم ، الاردن يعيش أزمات مُزمنة ومُركبة ! وهي أزمات فاقدة النُضج المطلوب ومعظمها ذات طابع فُجائي وعميقة وبالغة التأثير ومتوالدة ونتاج سياسات فاشلة ! وباتت أشبه ما تكون أزمة دولة لا احد يريد حلها أو حتى تحمل مسؤولية البدء في حلها لأن هناك من هو رابح وكثير من الخاسرين فهناك من يقول أن أزماتُنا أبعد وأوسع من نطاق الحكومات ، وان الحكومات ليست إلا مظهراً من مظاهر الأزمة الحقيقية!
وصار مُلحاً الأعتراف أننا نواجه أزمة دولة لا أزمة حكومات
فلا يزال الأردنيين يدفعون أثمان مغامرات صبيان السياسة وقوارض الأرتزاق الذين برهنوا الزيف بالزيغ ، وضعف الانجاز بأظهار الاعجاز ! فمعالجة الازمات في الاردن للاسف طابعها أحمق ! وادارتها أشبه ما تكون بخيار اليائس والمقامر الذي يطلب فيه الصولد بلعبة البوكر مغامراً بكل أوراقه
و في السياسة كما في الفن لا يمكن أخفاء العروض الرديئة ! والأردن أبتُليت بطبقة من مسوؤلين ترفض مغادرة سلوكيات المراهقة وتفضل العبث والفوضى ! وتُصدر الأوامر دون معرفة نتائجها الكارثية
قد تبدو الأسئلة بسيطة وسهلة الأجابة لكنها ليست كذلك ! فالأيام القادمة لن تكون مجرد نُزهة أو أجازة صيف ، فالأردن مقبل على تعقيدات في الداخل وتحديات من الخارج والأستقرار يحتاج لمناخ سياسي متوازن ، وهذا الأمر يتطلب تنحية كل اللاعبين على الساحة حالياً ! فالوهم كل الوهم أن الأصلاح والتغير سوف يأتي عن طريقهم
وعلة العلل التصادق مع الداء ! وأكثر الناس غباء هو الجاهل ! وشر البلية هي التعنت والعناد ! فلا توجد لدينا ممرات آمنة سوى أن نفكر بالحلول والحلول فقط دون الرجوع إلى أساليب التفكير السابقة التي أثبتت الوقائع أنها مجرد ترحيل للمشكلات لا معالجتها
وسواء أختلفنا أو أتفقنا نحن بحاجة إلى مشروع يلتف الأردنيون حوله تقوده طبقة سياسية ناضجة ، تبدأ بحوار عام لا يقوم على أستغفال الناس أو ورقة لأمتصاص فائض الغضب
لست متفائلاً ولست متشائماً ! لكنني أنتظر ما ستقوم به الدولة لأميل إلى أحدى كفتي الميزان تفاؤلاً أو تشاؤماً !