“الأردن اليوم ” تنشر تفاصيل خطاب الموازنة

قال وزير المالية محمد العسعس، إن العام 2022 شهد أوضاع اقتصادية مضطربة وسط توقعات مفتوحة على عدة احتمالات.

العسعس، أضاف خلال إلقاء خطاب الموازنة للسنة المالية 2023، تحت قبة مجلس النواب، اليوم الإثنين، إن الأردن تخطى هذه الأزمات الاقتصادية بثبات وحكمة. بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.

وأشار إلى أن الحكومة تدرك الشعور بالإحباط لدى العاطلين عن العمل، وانخفاض القوة الشرائية لدى المواطنين.

وتاليا نص خطاب الموازنة كاملاً…

بسم الله الرحمن الرحيم

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين ،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،

 

 

نقف اليوم كما العالم أجمع، على أعتاب مرحلة نشهد فيها عاماً يتعرض فيه الإقتصاد العالمي لأوضاع إقتصادية مضطربة، تتفاعل نتيجة ظروف دولية عاصفة ومفتوحة على الإحتمالات. والأردن الذي لم يكن بمنأى عن هذه التطورات، قد مرّ عبر تاريخه بظروف عصيبة وأزمات عديدة تمكن بفضل الله من تخطيها بثبات. ولإن تعرضت مسيرتنا لإمتحان قاس وتحديات كبيرة كباقي دول العالم، إلا أننا أثبتنا جميعاً رغم الإختلاف الذي قد يظهر في توصيف المشكلات ومعالجتها، أن الأردن باقتدار وحكمة قيادته الهاشمية ووعي شعبه سيتجاوز هذه التحديات ويواصل مسيرة الإصلاح والإنجاز.

وإذ يقف العالم اليوم بعد الخروج من جائحة كورونا، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية والركود التضخمي أمام تحديات مصيرية. حيث كلما اتخذت الإقتصادات الكبرى سياسات لإحتواء هذه الأزمات، انعكست قراراتهم الداخلية كهزات تعصف بإقتصادنا. وأمام هذا المشهد المعقد عالمياً، لا بد من قراءة تقوم على الصدق مع النفس والشفافية دون تنميق أو تهويل. لذلك، يجب علينا تقييم السياسات الإقتصادية السابقة التي وإن كانت تفي بحل الأزمات المرحلية آنذاك، إلا أنها قد لا تلبي متطلبات المرحلة الحالية لبناء إقتصاد منيع يقوم على رفع الإنتاجية وزيادة النمو الإقتصادي وتحسين المستوى المعيشي للمواطن الأردني.

إن حس المسؤولية يحتم علينا الإبتعاد عن الحلول المؤقتة لتلطيف وتجميل الواقع والتي حتماً ستعود علينا في وقت وجيز على شكل مشكلات هيكلية أعمق وأكثر إيلاماً. فمنذ تكليف هذه الحكومة، عملت في ظل ميثاق معلن وضمني على تجنب الإسراف في الوعود وعدم رفع مستوى التوقعات دون وقائع. وبهدف تجسير فجوة الثقة بين الشعب والحكومات لم نطلق وعوداً جزافاً. وفي المقابل، انتهجت هذه الحكومة الإبتعاد عن سياسة ترحيل وتجنب مواجهة المشكلات ولم تتأخر عن الحلول الجذرية الحقيقية. ومن هذا المنطلق قامت الحكومة بتشخيص عوامل الضعف التي أوهنت القدرات التنافسية للقطاعات الإقتصادية، وقامت بتنفيذ إصلاحات مدروسة لرفع تنافسية الإقتصاد الأردني والحفاظ على إستقراره في وجه العواصف العالمية التي أطاحت بإقتصادات دول أخرى.

واذ تدرك الحكومة بأن الألم الإقتصادي والصعوبات المالية التي يعيشها أهلنا حقيقية، نراها أرقاماً، ونراها في حياة الناس، نراها في معاناتهم التي نلحظها بقلب يخفق بالألم، وعقل يريد البحث عن الحلول. وإذ تدرك الحكومة أن الشعور بالإحباط الذي يهدد شبابنا الباحث عن العمل حقيقي، وهو في واجهة سلم أولوياتنا حين نصنع الموازنات ونرسم الخطط. كما تدرك الحكومة أن انخفاض القوة الشرائية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وتشوه العبء الضريبي بارتفاعه على الطبقة الوسطى بدلاً ممن هم أكثر دخلاً، واعتماده على الضرائب الإستهلاكية غير المباشرة على حساب ضرائب الدخل العادلة التي تميز بين الغني والفقير،  والتراجع في مستوى الخدمات والبنية التحتية بعد سنوات من تخفيض الإنفاق الرأسمالي، ومخاطر استمرار ارتفاع العجز في الموازنة وتراكم الدين العام تحديات هيكلية أضعفت الإقتصاد وأضرت بالمستوى المعيشي للمواطنين. تؤمن الحكومة إيماناً تاماً بأن تحقيق الأهداف المشروعة للمواطنين يتطلب إعداد الإستجابة التي توازن بين متطلبات استقرار الإقتصاد وطموحات المواطنين، ضمن سياق يتسم بالواقعية بعيداً عن الوعود المبالغ فيها غير القابلة للتحقيق. كما تدرك الحكومة أن السياسات والمبادرات تحتاج إلى وقت لتظهر نتائجها على صورة تحسين الوضع الإقتصادي والمعيشي للمواطن، لتؤكد على أنها ستكون منفتحة على الآراء والأفكار مع شركائها في هذا الوطن العزيز.

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين ،

 

من باب المكاشفة والمسؤولية، نحن نقف بين ضاغطين كبيرين، ضاغط يتعلق بأزمة المواطن المعيشية، وضاغط آخر يتعلق بمالية الدولة وأولوية الحفاظ على استقرارها. وإن الأيادي التي عملت على وضع خطة الدولة المالية لهذا العام كانت تدرك ذلك. وكانت تحاول جاهدة أن تقارب ما بين التخفيف عن الناس من جهة، والحفاظ على استقرار المالية العامة، من جهة أخرى. ونعلم علم اليقين أن لا بديل عن الإستمرار بعملية الإصلاح المالي والإقتصادي والإداري دون تأخير أو ترحيل، عبر إتخاذ قرارات تسكينية من شأنها أن تستنزف إمكاناتنا ومواردنا بصورة غير مستدامة، لأننا لا نقبل بأن نسمح لكلفة أي تأخير بالإصلاح أن تتراكم على كاهل الأردنيين مستقبلاً في شكل فقدان الإستقرار المالي والإقتصادي. ونحن بفضل الله نتمتع بإستقرار إقتصادي تشهد له المؤسسات الدولية.

 

لذلك فإن المصلحة العامة تقتضي العمل على تنمية مواردنا المحدودة مع الإستغلال الحصيف لها من أجل مواجهة مشكلاتنا الجوهرية مواجهة حقيقية تفضي بنا إلى الإنتصار عليها وتحويلها إلى جزء من الماضي. ومع إدراك الحكومة أن المواطن يواجه واقعاً معيشياً مؤلماً إلا أن أي إجراءات تحيد بالإقتصاد عن الإستقرار المالي والنقدي ستؤدي إلى مضاعفة هذه الآلام تحديداً على أفراد الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل.

هذه مسؤولية الحكومة الأخلاقية التي ترقى على كل إعتبار. فمعدلات الفقر والبطالة لن تنخفض إلى المستوى المقبول من تلقاء نفسها، بل عبر رفع تنافسية الإقتصاد لجذب الإستثمار المحلي والأجنبي، وهو أداتنا التي نعمل من خلالها على خلق الوظائف لشبابنا الباحث عن العمل. متطلعين إلى أن يلمس المواطن ثمار هذه الإصلاحات في قادم السنوات.

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين ،

 

ما زال السياق الدولي يتسم بالتقلب وعدم اليقين. فبعد أن ظهرت دلائل إنفراج أزمة الجائحة، وبدأت تباشير التعافي تلوح في أفق الإقتصاد العالمي، اتخذ صانعو السياسات في الدول المؤثرة على الإقتصاد العالمي إجراءات كبيرة لكبح جماح التضخم الذي وصل في تلك الدول لمعدلات غير مسبوقة، بسبب تأخرها في عكس السياسات التوسعية التي انتهجتها إبان الجائحة بشكل تدريجي وآمن، مما أثر بشكل سلبي وكبير على الدول النامية ومنها الأردن، الأمر الذي دفع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي لتخفيض توقعاتها حول أداء الإقتصاد العالمي، ليبلغ 3.2 بالمائة في عام 2022 مقابل 6.0 بالمائة في عام 2021، وإلى توقع ارتفاع معدل التضخم إلى 8.0 بالمائة في عام 2022 مقارنة بنحو 4.7 بالمائة في عام 2021. وقد توقعت رئيسة صندوق النقد الدولي مؤخراً أن يكون عام 2023 عاماً إقتصادياً صعباً يفوق في صعوبته العام الماضي، جراء دخول المراكز الثلاثة الرئيسة للنشاط الإقتصادي العالمي الصين والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في تباطؤ إقتصادي في آن واحد.

ورغم تأثر الأردن بتطورات الأحداث الجسام عالمياً، إلا أنه قد سارع في الإصلاحات السياسية والإقتصادية والإدارية بدلاً من إبطائها. واستطاع أن يستوعب تلك الأحداث وأن يتجاوز صدماتها، في ضوء متانة أساسيات الإقتصاد، وحصافة السياسات المالية والنقدية، والتي كانت فاعلة في الحفاظ على تماسك الإقتصاد الوطني.

ورغم كل التحديات الآنفة الذكر، نقف اليوم على جملة من المؤشرات التي تؤكد على أن اقتصادنا يخطو بثقة على مسار التعافي التدريجي، حيث من المتوقع أن يحقق الإقتصاد الوطني نمواً بنسبة 2.7 بالمائة لعامي 2022 و 2023 مقابل 2.4 بالمائة لعام 2021، حيث يعتبر الأردن من الدول القليلة التي توقعت المؤسسات الدولية أن يحافظ على تحسن أدائه الإقتصادي.

وقد جاء النمو الإستثنائي للصادرات الوطنية المحرك الحقيقي للنمو الإقتصادي بنحو 41 بالمائة خلال العشرة أشهر الأولى لعام 2022 مدفوعاً بشكل أساسي بإرتفاع أسعار الفوسفات والبوتاس. وحتى وإذا ما تم إستثناء صادرات الفوسفات والبوتاس، فإن معدل نمو الصادرات الوطنية سيبلغ نحو 26 بالمائة، وهذا بحد ذاته يعتبر نجاحاً غير مسبوق للقطاعات الأخرى. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى النمو القوي لقطاع السياحة وعلى نحو فاق ما كان متوقعاً. وعلى صعيد آخر، وحتى إذا ما تم الأخذ بالإعتبار حجم الإستثمارات التي خرجت من الأردن، فإن حجم الإستثمارات التي تدفقت إلى الأردن تفوق الإستثمارات التي خرجت منه، بحيث ارتفع صافي تدفق الإستثمار الأجنبي المباشر خلال الثلاثة أرباع الأولى من عام 2022 بنسبة 94% مقارنة مع الفترة المماثلة من عام 2021 ليبلغ نحو 629 مليون دينار، وذلك بالرغم من حالة عدم استقرار الإقتصاد إقليميا وعالميا. ويؤكد ذلك على تنافسية الإقتصاد الأردني وجاذبيتة للإستثمار وكإنعكاس مباشر لإستقراره المالي والنقدي. كما بلغت الإحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي 17300 مليون دولار في نهاية عام 2022. وهذه الإحتياطيات مريحة وتعكس قوة الدينار الأردني وتغطي 7.5 شهرا من مستوردات المملكة من السلع والخدمات.

وتجدر الإشارة إلى أنه رغم الضغوط التضخمية العالمية التي تعرض لها إقتصادنا في عام 2022 إلا أن إنعاكساتها على إقتصادنا كانت أقل بكثير من معظم دول العالم. فقد كشفت تقديرات صندوق النقد الدولي أن معدل التضخم في إقتصادات تونس ومصر ولبنان وتركيا والولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي ستتجاوز نسبة 8 بالمائة في عام 2022، في حين أن معدل التضخم في الأردن بلغ 4.2 بالمائة في عام 2022، ويتوقع أن يبلغ 3.8 بالمائة في عام 2023، وهذا يعتبر من أقل معدلات التضخم عالمياً، مما يعكس نجاح السياسات والإجراءات الحكومية في كبح جماح التضخم الذي أولته الحكومة جانباً واسعاً من إهتمامها لأنه العامل الإقتصادي الأكثر تماساً مع حياة المواطن والأوسع تأثيراً على معظم فئات المواطنين، إذ كانوا سيلمسونه في ارتفاع أكبر بكثير في أسعار السلع والخدمات الأساسية وكلفة المعيشة وتراجع حاد لا سمح الله للقوة الشرائية، لولا نجاح الإجراءات الحكومية في السيطرة على التضخم.

وعلى جانب آخر، شهد معدل البطالة تراجعاً بنحو 1.5 نقطة مئوية خلال الثلاثة أرباع الأولى من عام 2022 مقارنة بنفس الفترة لعام 2021 ليصل إلى 22.8 بالمائة ، ورغم ذلك فما زال معدل البطالة مرتفعاً ويشكل الهم الوطني الأول وما زال عند مستوى مقلق.

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين ،

 

وبمراجعة دقيقة لأداء الموازنة لعام 2022 سنجد أن هذه الحكومة تمكنت من تحقيق القيم المقدرة لإيرادات ضريبة الدخل وتجاوزها بنحو 61 مليون دينار رغم التزامها للعام الثالث على التوالي بعدم رفع أي ضريبة أو رسم أو فرض أي ضريبة أو رسم جديد، ولتصل في عام 2022 إلى نحو 1350 مليون دينار بزيادة نسبتها 14.4 بالمائة عن مستواها في عام 2021، في حين بلغت تحصيلات الإيرادات من الضريبة العامة على المبيعات نحو 4200 مليون دينار مسجلة بذلك نمواً نسبته 4 بالمائة عن عام 2021 . ويعكس نمو الضرائب على الدخل بوتيرة أعلى من نمو الضرائب على الإستهلاك سير الحكومة على الطريق الصحيح في الإمتثال للتوجيهات الملكية السامية المتمثلة ” بأن تقوم الحكومة بمراجعة شاملة للمنظومة الضريبية والعبء الضريبي بشكل متكامل، ينأى عن الإستمرار بفرض ضرائب إستهلاكية غير مباشرة وغير عادلة لا تحقق العدالة والتوازن بين دخل الفقير والغني”. كما يأتي ضمن إيمان الحكومة العميق بأن استمرار الإعتماد على الضرائب الإستهلاكية مضر بالإقتصاد والمواطن والخزينة على حد سواء. ولذلك ستواصل الحكومة سياستها الهادفة إلى رفع مساهمة إيرادات ضرائب الدخل المباشرة على حساب الضرائب الإستهلاكية غير المباشرة، للوصول الى مرحلة تتمكن الحكومة فيها من تخفيف عبء الضرائب غير المباشرة تدريجياً. مؤكداً في هذا السياق على أن أي إجراءات تخفيضية غير مدروسة على هيكل الإيرادات ستؤدي إلى رفع عجز الموازنة، الأمر الذي سيفضي إلى تفاقم الألم الإقتصادي بدلاً من خفضه .

وأما على صعيد النفقات، فقد واصلت الحكومة سياسة ضبط النفقات والإلتزام بالمخصصات المقدرة في الموازنة على الرغم من التطورات العالمية الأخيرة والتي أسفرت عن تسجيل إرتفاعات متسارعة في أسعار القمح على وجه الخصوص والمواد الأساسية على وجه العموم. فعلى صعيد قرار الحكومة المتعلق بتثبيت أسعار المشتقات النفطية لجزء من عام 2022 والذي بلغت كلفته حوالي 505 مليون دينار، فقد تم استيعاب كلفة هذا الإجراء عبر تأجيل نفقات رأسمالية وإجراء مناقلات مالية بقيمة 350 مليون دينار، في حين تم استيعاب القيمة المتبقية والبالغة 155 مليون دينار ضمن موازنة التمويل، وسيتم عكسها في موازنات السنوات الخمس القادمة.

وعليه، فقد تمكنت الحكومة من خفض العجز الأولي  للموازنة من نحو 5.6 بالمائة في عام 2020 إلى نحو 4.4 بالمائة في عام 2021 وليواصل تراجعه في عام 2022 إلى ما نسبته 3.7 بالمائة، وليصل في مشروع موازنة عام 2023 إلى 2.9 بالمائة، أي أن الحكومة نجحت في خفض العجز الاولي بنحو 48 بالمائة خلال ثلاث سنوات، على الرغم من التحديات الإقتصادية المعقدة، وعدم قيام الحكومة برفع أي ضريبة أو رسم أو فرض أي ضريبة أو رسم جديد. كما تمكنت الحكومة من خفض إجمالي الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي بعد إستثناء ما يحمله صندوق إستثمار أموال الضمان الإجتماعي في نهاية عام 2022 إلى 89.7 بالمائة مقارنة بما نسبته 91.9 بالمائة في نهاية عام 2021، وليتراجع إلى نحو 88.2 بالمائة في عام 2023. مما يؤكد على نجاح هذه الحكومة في وضع المالية العامة على الطريق الصحيح وتحقيق الخفض التدريجي لنسبة الدين العام الى الناتج المحلي الإجمالي. وأرجو أن أؤكد في هذا السياق على أنَّ الحكومة اعتمدت التصنيفات الإحصائية العالمية في احتساب الدين العام، وأنّ هذا الأمر لنْ ينتقصْ من حقوق صندوق إستثمار أموالِ الضمان الإجتماعيّ والتزاماتِ الحكومةِ تجاه الصندوق. وأشير في هذا المجال إلى أن مستويات العجز والمديونية يجب أن تستمر بالإنخفاض حفاظاً على إستقرار الإقتصاد الكلي. وتشير البيانات إلى إرتفاع نسبة تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية إلى 87.5 بالمائة في عام 2022 مقارنة بنحو 84 بالمائة في عام 2021 ولترتفع إلى نحو 89.1 بالمائة في عام 2023، ولتواصل إرتفاعها التدريجي إلى نحو 91.8 بالمائة في عام 2025. وهذا يعتبر المؤشر الأساس في تعزيز الإستقلال المالي لأي دولة.

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين ،

 

إن أمانة المسؤولية تقتضي الإيضاح بأن الأسواق العالمية تعاقب بشدة أي حيدة وانحراف عن سياسة الإستقرار المالي والنقدي، وهذا واقع  حال بعض الدول ومنها الكبرى التي تبنت سياسات وإجراءات غير مدروسة هدفت في ظاهرها إلى تخفيف الأعباء على المواطنين إلا أنها أدت في الواقع إلى تحملهم أعباء كبيرة في المدى المتوسط والطويل جراء التوسع الكبير وغير المدروس في الإنفاق عبر الإقتراض وارتفاع خدمة الدين العام ووصوله إلى مستويات غير آمنة. وبالتالي أفضت هذه القرارات إلى خلاف ما سعت تلك الدول لتحقيقه، حيث أدت إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين. لذلك فإن الحكومة وإدراكاً منها لسياق الوضع الإقتصادي العالمي الحالي بكونه الأكثر تعقيداً من أي وقت مضى، وتفادياً لتعريض مواطنينا لأزمات معيشية وإجتماعية حادة، لتؤكد أنه على رغم حقيقة الألم الإقتصادي الذي يعيشه المواطنون، إلا أن معالجة ذلك يتطلب سياسات وإجراءات هيكلية لا إجراءات غير مدروسة  تؤدي إلى عواقب سيتحملها في المقام الأول المواطنون من الطبقة الوسطى ومحدودة الدخل وبشكل يفوق قدرتهم على التحمل، وهذا ما لن تسمح به الحكومة. وأؤكد هنا على أن التخطيط للإقتصاد الأردني لا يمكن أن يبنى إستناداً إلى نماذج إقتصادية تعتمد على وفرة الموارد والثروات الطبيعية. وإلى حين أن يثبت عكس ذلك، فإن نموذجنا الوطني لا بد أن يكون واقعياً، يستفيد من تجارب الماضي ويراعي متطلبات الحاضر ويؤسس لتطلعات المستقبل.

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين ،

لقد ساهم نجاح الحكومة في الحفاظ على الإستقرار المالي والنقدي في تعزيز ثقة مؤسسات التصنيف الإئتماني بإقتصادنا الوطني. وقد تجسد ذلك برفع مؤسسة “موديز” النظرة المستقبلية للإقتصاد الأردني من مستقر إلى إيجابي، ومؤسسة “فيتش” من سلبي إلى مستقر، وتثبيت مؤسسة “ستاندرز آند بورز” التصنيف الإئتماني لإقتصادنا الوطني مع نظرة مستقبلية مستقرة، في الوقت الذي شهدت فيه دول كبرى تراجعاً في تصنيفها الإئتماني. وفي ذلك إشارة جلية إلى نجاح إلادارة المالية الأردنية في حماية الأردن من تبعات الأزمات التي شهدها العالم والحفاظ على الإستقرار المالي للأردن.

وقد أثبتت نتائج المراجعة الخامسة لبعثة صندوق النقد الدولي نجاح الأردن في السياسات الإقتصادية الإصلاحية وكانت الدافع الرئيسي في انتزاع تقدير المؤسسات الدولية بحجم الإنجاز المتحقق رغم التحديات، هذا في وقت فشلت فيه دول أخرى في الحصول على شهادات بإستقرار إقتصادها. كما خلصت المراجعة الخامسة إلى تأكيد الصندوق على أن الإقتصاد الأردني على المسار الصحيح في تحسين تنافسيته  وعلى حصافة السياستين المالية والنقدية. وإذ تدرك الحكومة بأن النجاح على مستوى الإقتصاد الكلي لم ينعكس بعد على المستوى المعيشي للمواطنين، فإنها تؤكد على أن التحسن المستدام في دخول المواطنين ومستوى المعيشة لا بد وأن ينبثق عن قاعدة متينة من الإستقرار المالي والنقدي.

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين ،

يسرني أن أعرض لمجلسكم الكريم مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2023 والذي قدمته الحكومة ضمن الموعد الدستوري بالشكل والمحتوى الذي تقتضيه التعديلات الدستورية التي أقرت مؤخراً، متطلعة للمناقشات القيمة والتوجيهات السديدة لمجلسكم الكريم حوله. والحكومة يحدوها الأمل بأن تتأطر المداولات القادمة لمشروع قانون الموازنة العامة لعام 2023 بروح التشاركية والإيجابية مستنيرين في ذلك بتوجيهات جلالة القائد المفدى حفظه الله ورعاه.

 

وإذ تعرض الحكومة على مجلسكم الموقر الخطوط الرئيسية لهذا المشروع لتؤكد عزمها على ترسيخ ما حققته في الأعوام القليلة الماضية من إصلاحات مالية وإقتصادية إستطاعت التكيف مع تطورات الأحداث والمحافظة على سلامة الإقتصاد الوطني واستقراره. ونتفق بأن التحدي ما زال قائماً في الإنتقال بالمواطن من مجرد السعي والتفكير في أساسيات الحياة إلى تحقيق العيش الكريم المستقر، مستندين إلى تقديرات واقعية وحقائق لا أمنيات غير قابلة للتطبيق. وتؤمن الحكومة إيماناً راسخاً بأن المحافظة على الإستقرار المالي والإقتصادي هي اللبنة الأساسية التي ستمكن من تحسين المستوى المعيشي وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين وتعزيز النمو الحقيقي للإقتصاد. وأؤكد في هذا المقام على أنه مهما تعددت القرارات وتنوعت الإجراءات التي تتبناها الحكومات إستجابة للمرحلة الإقتصادية التي يمر بها اقتصادنا الوطني فإنها تبقى دائماً مستندة إلى مجموعة من الثوابت والمبادئ التي لا يمكن الإختلاف حولها، وأبرز هذه الثوابت تتمثل بحشد الإمكانات والطاقات لدعم قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية للحفاظ على مكتسبات الوطن الغالي. وأنتهز هذه الفرصة لأتقدم بأسمى معاني الفخر والإعتزاز من قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية درع الوطن وسياجه الحصين، التي ما فتئت تحفظ لوطننا الغالي أمنه وتشيع الطمانينة بين أهله وتصون ترابه من كل عدو ومتربص. وقد حرصت الحكومة على رصد المخصصات المالية اللازمة لتمكين قواتنا المساحة الباسلة والأجهزة الأمنية من أداء مهامها بكل كفاءة واقتدار.

 

 

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين ،

 

لقد جاء إعداد هذه الموازنة في خضم الجهود الكبيرة التي قامت بها الحكومة لترجمة متطلبات الإصلاح الذي أرشد إليه جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه ضمن رؤية وطنية شاملة للتحديث الإقتصادي، وجه جلالته بأن تكون رؤية ” تضمـن إطلاق الإمكانيـات، لتحقيـق النمـو الشـامل المسـتدام، الـذي يكفـل مضاعفـة فـرص العمـل المتاحـة للأردنيين والأردنيات، وتوسـيع الطبقـة الوسـطى، ورفـع مسـتوى المعيشـة لضمـان نوعيـة حيـاة أفضـل للمواطنيـن”. وعليه، فقد وضع الأردن رؤيته للسنوات العشر القادمة لتشكل مخرجاً للإقتصاد الأردني من حالة تباطؤ النمو الإقتصادي نحو أفق واسع يمهد لخلق فرص العمل للأردنيين. كما تم وضع خطة شاملة لتطوير القطاع العام تشمل تطوير التشريعات، وتعزيز الكفاءة المؤسسية، وتحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين وتبسيط الإجراءات.

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين ،

 

في ظل هذه المعطيات، وإنطلاقاً من المرتكزات الأساسية التي اعتُمدت لتحديد أبعاد الموازنة العامة للسنة المالية 2023، أرجو أن أعرض لحضراتكم ملامحها الرئيسية وعلى النحو التالي:

 

أولاً: لقد عانى الإقتصاد من العديد من الفرص الضائعة وإختلال الأولويات التي ورثتها هذه الحكومة والتي كان أشدها طيلة عقود من الزمن التشوه في النظام الضريبي الذي يعتمد على الإيرادات المتحققة من الضرائب على السلع الإستهلاكية، إضافة إلى معضلتي التهرب والتجنب الضريبي، وقد تم التعامل مع هذا التشوه الضريبي خلال العقد السابق من خلال رفع معدلات الضرائب الإستهلاكية ومنها الضرائب على المحروقات، الأمر الذي أدى إلى رفع العبء الضريبي على الطبقة الوسطى ومحدودة الدخل، حيث ارتفعت إيرادات الضرائب على المحروقات من نحو 463 مليون دينار في عام 2015 إلى نحو 1070 مليون دينار في عام 2019.

وإيماناً من الحكومة بضرورة معالجة هذا الإختلال في الضرائب على السلع الإستهلاكية بشكل جذري والذي يلقي بأعبائه على الطبقة الوسطى، فقد طورت الحكومة الحالية من توجهات السياسة المالية لتشمل معالجة التشوهات والإختلالات والثغرات في التشريعات الضريبية لمحاربة التهرب ومعالجة التجنب الضريبي. وقد أنجزت الحكومة بالتعاون مع مجلسكم الكريم تعديلات تشريعية ساهمت في زيادة الإلتزام الضريبي وتوسيع قاعدة المكلفين ورفع كفاءة التدقيق والتحصيل الضريبي. ويضاف إلى ذلك إعادة هيكلة التعرفة الجمركية لمقاربة كلفة التهرب بكلفة الإلتزام الجمركي. كما قامت الحكومة بتوحيد ودمج الجهات الرقابية المعنية في المنافذ الحدودية تحت مظلة دائرة الجمارك بهدف التسهيل على القطاع الخاص. وفي ضوء ما تقدم، سترتفع إيرادات ضريبة الدخل في عام 2023 بنحو 14.4 بالمائة، وإيرادات ضريبة المبيعات بنحو 9.2 بالمائة.

ثانياً: إن أولويات الإنفاق في مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2023 تعبر عن طابعنا كمجتمع متكاتف، وتكشف عن جانب من هويتنا الوطنية التي تشكلت عبر مائة عام من البناء والتطوير والتعزيز. وعليه، فقد تضمن مشروع القانون المخصصات المالية لتعزيز الحماية الإجتماعية بجميع مكوناتها وأبرزها مخصصات دعم التعليم الجامعي لأبنائنا غير المقتدرين (صندوق الطالب المحتاج) ودعم الجامعات ومخصصات التغذية المدرسية ومكرمة جلالة الملك المفدى لأبناء العسكريين والمعلمين ومخصصات رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة. ومن جانب آخر، فإن هذه الموازنة تهدف إلى تطوير التعليم والإرتقاء به في شتى مستوياته. وعليه، فقد تم زيادة مخصصات التعليم في عام 2023 بنحو 8.1 بالمائة لتبلغ نحو 1363 مليون دينار بإرتفاع مقداره نحو 111 مليون دينار عن عام 2022.

كما تضمنت موازنة عام 2023 نحو 1157 مليون دينار لمخصصات الصحة بشقيها وزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية بإرتفاع مقداره 95 مليون دينار أو ما نسبته 9 بالمائة عن عام 2022 . كما تضمنت موازنة عام 2023 المحافظة على سياسة زيادة مخصصات صندوق المعونة الوطنية/ الدعم النقدي الموحد التي ارتفعت في عام 2023 لتصل إلى نحو 244 مليون دينار. وقد بلغت مخصصات الحماية الإجتماعية في عام 2023 نحو  2276مليون دينار بزيادة قدرها 215 مليون دينار عن عام 2022.

ثالثاً: ستواصل الحكومة إجراءاتها الهادفة إلى تحقيق الإستقرار النسبي في أسعار السلع الهامة من خلال تعزيز منظومة الأمن الغذائي والحفاظ على المخزون الإستراتيجي من السلع والمواد الأساسية وخاصة مادة القمح. فرغم تداعيات ارتفاع أسعار القمح عالمياً، تؤكد الحكومة التزامها بتثبيت أسعار الخبز وعدم المساس بسعر رغيف المواطن. وعليه، فقد تم رصد مبلغ 277 مليون دينار لدعم السلع الغذائية الإستراتيجية في موازنة 2023 بإرتفاع مقداره 217 مليون دينار أو ما نسبته 361 بالمائة عن عام 2022 .

رابعاً: رصد المخصصات المالية لمشاريع رؤية التحديث الإقتصادي وخارطة تحديث القطاع العام بنحو 355 مليون دينار.

خامساً: ستواصل الحكومة تحفيز النشاط الإقتصادي وتعزيز تنافسيته لزيادة الصادرات الوطنية، حيث قامت الحكومة بتوفير المخصَّصات الماليَّة لصندوق دعم الصناعات من خلال تخصيص 40 مليون دينار في الموازنة العامَّة لعام 2023. ونظراً لأهمية قطاع السياحة في تحفيز النمو الإقتصادي ودعم ميزان المدفوعات، قامت الحكومة برصد مبلغ 71  مليون دينار ضمن موازنة وزارة السياحة لتحفيز وتنشيط السياحة.

سادساً: ولأن الأردن يعتبر من الدول التي تأثرت بشكل كبير بتداعيات التغير المناخي الذي شهده العالم عبر السنوات الأخيرة، وخاصة شح المياه، فقد قامت الحكومة بتخصيص مبلغ 250 مليون دينار لتعزيز أمن التزود بالمياه وذلك لمشروع تحلية ونقل المياه (الناقل الوطني) خلال السنوات الخمس القادمة بواقع 50 مليون دينار سنوياً.

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين ،

 

في ضوء المعطيات سالفة الذكر، قدرت النفقات الجارية لعام 2023 بمبلغ 9839 مليون دينار لترتفع بنحو 766 مليون دينار أو ما نسبته 8.4 بالمائة مقارنة بعام 2022. ويعزى هذا الإرتفاع إلى الزيادة على مخصصات الجهاز العسكري وجهاز الأمن والسلامة العامة بنحو 153 مليون دينار، وزيادة رواتب الجهاز المدني بنحو 135 مليون دينار، وزيادة رواتب المتقاعدين العسكريين والمدنيين بنحو 24 مليون دينار. كما جاء الإرتفاع في النفقات الجارية إلى زيادة مخصصات فوائد الدين العام في عام 2023 بنحو 149 مليون دينار مقارنة بعام 2022 لتصل إلى نحو 1577 مليون دينار في ضوء الإرتفاع في أسعار الفائدة العالمية جراء السياسات الهادفة إلى إحتواء التضخم عالمياً.

وفي ضوء ما تقدم، شكلت مخصصات رواتب الجهازين المدني والعسكري وجهاز الأمن والسلامة ومخصصات التقاعد المدني والعسكري ما نسبته 64 بالمائة من إجمالي النفقات الجارية. وفي حال إضافة مخصصات فوائد الدين العام تصبح النسبة 82 بالمائة من إجمالي النفقات الجارية.

وفي سياق الحديث عن النفقات الجارية، أود الإشارة إلى أن النفقات التشغيلية للجهاز المدني لعام 2023 بلغت 498 مليون دينار أي ما نسبته 5 بالمائة فقط من إجمالي النفقات الجارية، بحيث إستحوذ القطاع الصحي على نحو 44 بالمائة من النفقات التشغيلية والتي تشكل المستلزمات الطبية والأدوية الحيز الأكبر منها. وهذا مؤشر على نجاح الحكومة في رفع فعالية إدارة المال العام، بحيث إذا ما تم إستثناء النفقات التشغيلية للقطاع الصحي فإن النفقات التشغيلية لباقي الجهاز المدني تصل إلى نحو 279 مليون دينار فقط .

وأما على صعيد النفقات الرأسمالية فقد قدرت بمبلغ 1592 مليون دينار في عام 2023 بزيادة مقدارها 104 مليون دينار أو ما نسبته 7 بالمائة عن مستواها لعام 2022. حيث شكلت مخصصات مشاريع رؤية التحديث الإقتصادي وخارطة تحديث القطاع العام ما نسبته 22 بالمائة من هذه النفقات، في حين شكلت مشاريع الجهاز العسكري وجهار الأمن والسلامة 17 بالمائة، ومشاريع تنمية وتطوير البلديات ومشاريع اللامركزية 17 بالمائة، فيما شكلت مخصصات المشاريع المستمرة وقيد التنفيذ نحو 44 بالمائة من اجمالي النفقات الرأسمالية. وفي ضوء ذلك قدرت النفقات العامة بنحو 11432 مليون دينار بإرتفاع مقداره 871 مليون دينار أو ما نسبته 8.2 بالمائة عن مستواها لعام 2022.

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين،

 

وأما على صعيد الإيرادات، فقد قدرت الإيرادات المحلية لعام 2023 بمبلغ 8767 مليون دينار بزيادة مقدارها 829 مليون دينار أو ما نسبته 10.4 بالمائة عن مستواها لعام 2022. حيث سترتفع الإيرادات الضريبية بنحو 696 مليون دينار أو ما نسبته 11.7 بالمائة. كما سترتفع الإيرادات غير الضريبية بنحو 133 مليون دينار أو ما نسبته 6.6 بالمائة، وهذا النمو في الإيرادات غير الضريبية يساوي تماماً نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الإسمية لعام 2023.

كما قدرت المنح الخارجية بنحو 802 مليون دينار في عام 2023 مقابل 796 مليون دينار لعام 2022. وترتيباً على ما تقدم، قدرت الإيرادات العامة في موازنة عام 2023 بمبلغ 9569 مليون دينار لتسجل إرتفاعاً بنحو 835 مليون دينار أو ما نسبته 9.6 بالمائة عن مستواها لعام 2022.

وأود في هذا السياق أن أعرب عن شكري وتقديري للدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات الدولية التي واصلت تقديم دعمها للأردن تقديراً منها للدور الإستراتيجي الذي يقوم به جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه في الحفاظ على إستقرار المنطقة، والذي كان له أيضاً الدور الأكبر في زيادة حجم المساعدات الأمريكية للأردن وزيادة مدة الإتفاقية الجديدة إلى نسب غير مسبوقة لتغطي الفترة (2023- 2029).

وترتيباً على كل ما تقدم، يتوقع أن يبلغ عجز الموازنة بعد المنح في عام 2023 حوالي 1862 مليون دينار. وأما العجز الأولي للموازنة الذي يعتبر أحد أبرز مؤشرات الإستدامة المالية والذي يقارن بين الإيرادات المحلية والنفقات العامة مستثنياً منها خدمة الدين العام فسوف يتراجع وللسنة الثالثة على التوالي في عام 2023 إلى نحو 2.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وليواصل التراجع التدريجي إلى نحو 0.9 بالمائة في عام 2025.

وفي ضوء التطورات على جانبي النفقات والإيرادات، ومواصلة الحكومة تنفيذ برنامجها للإصلاح المالي والإقتصادي، فسينخفض الدين العام للسنة الثالثة على التوالي بنحو 1.5 بالمائة في عام 2023 ليصل إلى 88.2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي ولتواصل النسبة الهبوط التدريجي إن شاء الله في السنوات اللاحقة لتصل إلى 84.2 بالمائة في عام 2025.

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين ،

 

أما فيما يتعلق بالوحدات الحكومية فقد جاءت تقديرات الإيرادات والنفقات على النحو التالي:

أولاً: قدر إجمالي الإيرادات للوحدات الحكومية لعام 2023 بنحو 671 مليون دينار مقابل 954 مليون دينار في عام 2022 . ويعزى التراجع الواضح في الإيرادات إلى إرتفاع خسارة شركة الكهرباء الوطنية، وإستثناء إيرادات البنك المركزي جراء خروج موازنة البنك المركزي من قانون الموازنة العامة تعزيزاً لإسقلاليته التي كانت على مر العقود الركن الأساسي للإستقرار النقدي.

ثانياً: قدر إجمالي النفقات للوحدات الحكومية في عام 2023 بنحو  1467مليون دينار موزعاً بواقع  942 مليون دينار للنفقات الجارية و 524 مليون دينار للنفقات الرأسمالية، وذلك مقارنة مع إجمالي نفقات بلغ  1337مليون دينار لعام 2022 .

ثالثاً: وترتيبا على ما تقدم، قدر صافي العجز قبل التمويل لجميع الوحدات الحكومية في عام 2023 بحوالي 795 مليون دينار مقابل 383 مليون دينار في عام 2022 . وإذا ما تم استبعاد عجز كل من سلطة المياه وشركة الكهرباء الوطنية المقدر بنحو 838 مليون دينار، فإن صافي العجز يتحول إلى وفر بنحو 42 مليون دينار .

سعادة الرئيس ،

حضرات النواب المحترمين ،

 

وإذ تقدم الحكومة لمجلسكم الكريم مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2023 لتسعى إلى الحوار البناء بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهي على يقين بأن دراسة مجلسكم الموقر لهذا المشروع وتوجيهاتكم ستكون خير رافد للحكومة في تنفيذ الخطط والبرامج الحكومية ليواصل الإقتصاد الوطني السير بخطى راسخة لرفعة وكرامة ورفاه المواطن الأردني.

ويبقى المواطن الأردني هو المنطلق الأساسي والغاية النهائية لجميع توجهاتنا وسياساتنا، وحق له أن يشعر بالضيق في هذه المرحلة، بعد انتظار طال لثمار الإصلاح الاقتصادي، إلا أن الحكومة تعمل بحرص بل وبحذر من أجل أن يمضي الإصلاح في الطريق المنشود. فنحن نتطلع إلى إصلاح تجوب آثاره كل جغرافية الوطن، ولا تستأثر بثماره نخبة على حساب الطبقة الوسطى ومحدودة الدخل، ولكنه الإصلاح الذي يتلمّس الجميع آثاره ويستفيدون من نتائجه الإيجابية على مستوى معيشتهم.

ولا يداخلنا شك بأن تحقيق أهدافنا يعتمد بعد توفيق الله عزوجل على إيماننا بما نسعى لتحقيقه، والتعاون على تنفيذ ما وجهنا إليه صاحب الجلالة الهاشمية الملك المفدى، ووضع الأمور في نصابها، وبث الأمل وخلق الحافز لبناء مستقبل أفضل لجميع الأردنيين الذين ضحوا كثيراً في سبيل رفعة الوطن. وأؤكد لحضراتكم أن الحكومة تنظر بعين الإحترام والتقدير لسداد رأي مجلسكم الموقر، وستولي توصياتكم وملاحظاتكم الإهتمام البالغ ليصار إلى تنفيذ ما أمكن منها هذا العام والأعوام القادمة، إن شاء الله تعالى.

وأخيراً، نسأل الله أن يوفقنا جميعا لنعمل في خدمة هذا البلد الأشم الأبي في ظل الراية الهاشمية بقيادة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، حفظه الله ورعاه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

 

 

رئيسي