كتب المهندس سليم البطاينة..
القاعدة الفطرية تقول أن الأصل هو اليقين ! لكن في موضوع القضية الفلسطينية فكل شيء مختلف، فالأصل هو الشك ، واليقين هو الإستثناء ! والتآمر على الفلسطينيين لم يكن وليد اليوم أو الامس القريب، ولكنه كان وليد الأمس البعيد.
فهل يكفي الأردنيين والفلسطينيين ترديد مقولة أننا عصيون على المؤامرات ويغرقون في بيد من الارتياح ؟ رغم أن الاردنيين مختلفين في قراءة ما يجري حالياً ! فكيف يأتيهم اليقين لتصديق ما جرى سابقاً ؟ فكل الظروف باتت محكمة الاركان، والانكشاف المزدوج سيضع الاردنيين والفلسطينين معاً أمام المجهول ! وهذا ما يقودنا إلى إسقاط نظرية الجهل العقلاني على ما يحصل من مؤامرات في الخفاء تُحاك ضد الفلسطينيين كضحية تنتظر قاتلها !
إذًا لماذا نحن متفرجون على مسرحية نحن اصحابها ، وكأننا خارج الزمان والمكان ، ولا شأن لنا بكل ما يجري ؟
فالواضح امامنا ان القضية الفلسطينية لا تواجه المخاطر فقط من إسرائيل، فهناك دول عربية تلعب دوراً ( العدو بالانابة ) الذي يجب الحذر من لدغتته المميتة.
وأمريكا التي بيدها ٩٩٪ من أوراق اللعبة تسعى لخلط الأوراق، واسقاط حل الدولتين بالتعاون مع المطبعين والأبراهيميين بالذهاب إلى مرحلة خطيرة بتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية حقوق سياسية لقضية أردنية بحقوق انسانية.
فالمشروع الصهيوني لا يزال مفتوحاً على اقامة اسرائيل الكبرى بأعتبارها دولة يهودية والاغلبية بها يجب ان يكونوا يهوداً من الان وحتى أشعار آخر ! فبعد قيام دولة أسرائيل مباشرة قال ( بن غوريون ) أن وجود إسرائيل كالحجر الذي تُلقيه في الماء لتتكون حوله الدوائر ! وهذا تفسير منطقي للنظرية الصهيونية بالتوسع والاستيطان … فالحكومة الأسرائيلة الجديدة وقبل أيام أعلنت أن اليهود فقط لهم الحق الحصري في جميع أرض أسرائيل ككل بالمعنى التوراتي ، وليس لأي طرف آخر حقوق هنا ، بأرض ( يهودا والسامرة اي الضفة الغربية ) ! وهذا تغير جوهري وجذري وراديكالي في السياسة الاسرائيلية لم نراه منذ عدوان عام ١٩٦٧.
وأسرائيل اليوم دولة يهودية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ! وقد قالت للعالم ومن خلال الكنيست ان دستورنا يقوم على يهودية الدولة وبدون حدود جغرافيه مرسومة او معروفة.
الوطن العربي يتصدع ويهتز ويسير بخطى سريعة نحو الانحدار والسقوط ! والساحة السياسية العربية تعيش ظلام غياب الاقتدار السياسي ! والمنطقة العربية من مشرقها إلى مغربها مروراً بالجزيرة العربية مسرح لصراعات مختلفة ذات طابع أقليمي ودولي وعربي ، والكثير منها مزيج من الداخلي والاقليمي ! وجميعها مُزمن في الجوهر وأن تغيرت إلى حد كبير أدوار اللاعبيين الدوليين والإقليميين والعرب، وعلى نظرية كلما تغيرت الخريطة تغيرت معها ادوات الصراع.
وأنا هنا لا أعدو أكثر من مواطن أردني يعشق تراب فلسطين ، ولست متفرغاً للرصد ، ولا أريد أن أقفز إلى جانبي الحاجز لأرى ما يدور ؟ لكن لدي أجتهاد قد يخطىء وقد يصيب ! وان ما أكتبه هنا هو أقرب إلى التعبير عن مشاعر القلق والخوف منه إلى التحليل.
فالاصابع الخفية أصبحت تسيّر كل شيء ! وان ما نستشعر به يتمثل في إخفاء ما يدور وما يتم تنفيذه والاعداد له، وطرح الأفكار والمبادرات بات لا يفهم إلا في سياقاته الزمنية والمكانية.
فاحذروا من الفخ الذي ينصب لكم ! واحذروا من أن تُلدغوا من جحر أخر مرة أخرى ، وأحذروا العوم على شبر ماءٍ آسن ! فهناك متربصون يعيدون ترتيب أوراقهم وادوارهم من جديد ! وتمسكوا بهويتكم الفلسطينية وتاريخكم وجغرافيتكم الوطنية ، ولا تحفروا قبور هويتكم بأيديكم ! فنحن نخشى عليكم من دهاليز السياسة ومكر البعض ! ومن الوسطاء وسماسرة بيع الاوطان الذين يغيرون دمهم كل يوم ! ويظهرون كحرباء تغير لونها تبعاً للظروف ، ويتبدلون ويتلونون حسب الاهواء والحسابات البنكية والدفع المُسبق والمُلحق !
وسوء أحوالنا لا يعفينا من أي ذنب ومن أي مسؤولية لنَهِب حالنا صك براءة يعفينا من التحرك والنهوض لوقف المؤامرة ! والاردن ستبقى العمق الأستراتيجي والسكاني لفلسطين وشعبها الكبير ! وصورة فلسطين ستظل عالقة في أذهان الاردنيين رغم ان السواد الأعظم منهم لم يكتب له تنفس نسائمها أو التقاط مشهديّتها بالعين المجردة.
لا أجد حاجة لمزيد حول ما يجب عمله ؟ ففلسطين التي تستغيث لا تُغاث ؟ والقدس التي تتوّق للنجدة لا مُلبي لها ؟ والأقصى الذي يصرخ فما من سامع له !