كتب محمد حسن التل
في النظرة المجردة من خلال تفكير بعقل بارد إسرائيل تخلت تماما عن فكرة السلام مع الفلسطينيين ، وتسعى جديا إلى ضم الضفة الغربية وإنهاء الحقوق الفلسطينية في الدولة والاستقلال ، وتصر على جر الصراع إلى الساحة العقائدية معتمدة على الإنحياز الكامل من أميركا والدول الأوروبية وكثير من دول العالم ، وتجلى هذا بشكل واضح في الموقف من الأحداث الأخيرة في جنين والقدس وعموم الأراضي الفلسطينية ، حيث برز الإنحياز بأوضح وأكثر صوره سوادا من قبل الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وتبين أن فكرة حل الدولتين ما هي إلا تصريحات مجاملة وتبريد جراح وكسب وقت .
الواقع على الأرض يشير أن الفلسطينيين يدخلون مرحلة جديدة في المقاومة ، من خلال إصرارهم على المواجهة المباشرة مع الإسرائيليين لانتزاع حقوقهم بأنفسهم بعيدا عن دهاليز السياسة وتناقضاتها .
إسرائيل أيضا قررت الاستمرار في الصراع وتعميقه مع الشعب الفلسطيني ، خصوصا بعد تشكيل الحكومة الأخيرة برئاسة نتنياهو ومعه أساطين التطرف الاستيطاني الذين يرفضون التسوية من منطلق عقائدي ويعتبرون أي تسوية خيانة لفكرة قيام الدولة اليهودية .
الفلسطينيون اليوم باتوا بين فكي كماشة ، التعنت الإسرائيلي والإصرار على رفض الحقوق الفلسطينية بالمبدأ ، ومن ناحية أخرى الإنحياز الدولي الكبير لإسرائيل ، وواقع عربي مأزوم يحاول إنهاء القضية بأي شكل الا من رحم ربي ، وهذا واضح كما أشرت من خلال المواقف الواضحة من الأحداث الأخيرة على الأرض ، أبرزها موقف الإدارة الأمريكية وتصريح الرئيس الأمريكي حين وصف المقاومة الفلسطينية بأنها اعتداء على العالم الحر ، وهذا انعكاس صريح للانحياز الكبير والصريح للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ، في حين ذهب الأوروبيون إلى أبعد من ذلك ، حيث أعطوا بصورة غير مباشرة رخصة للإسرائيليين بالقتل حين حثوهم على جعل القتل آخر الحلول وهذا يعني أن قتل الفلسطينيين أصبح يحمل رخصة دولية .
الموقف العربي في معظمه شكل إدانة مبطنة للمقاومة في فلسطين ، وهذا يعني ترك الفلسطينيين لمصيرهم أمام العدوان الإسرائيلي عليهم ولم يعد أمامهم سوى المواجهة بإمكانياتهم القليلة المتاحة ، والاستماته في رسم حقوقهم على أرضهم ولو بدمائهم ، ومحاولة ردع الإسرائيلي في معركته ضدهم مما جعل القضية تدخل في نفق جديد أكثر ظلمة وقتامة وتعقيدا ، لكن الإصرار الفلسطيني الشعبي المقاوم يجعل القضية حاضرة في العقل الدولي ليس تعاطفا مع الفلسطينيين بل من باب المحاولة لإنقاذ الاحتلال من ورطته في المواجهة المباشرة مع أجيال فلسطينية متتابعة أسقطت من حساباتها فكرة الحل السياسي الذي انطلق منذ ثلاثين عاما دون أي تقدم يذكر في ظل تعنت إسرائيل وانقلاب قياداتها المختلفة على كل التعهدات والاتفاقيات التي كان من المفروض قد تمت منذ عام ١٩٩٩من القرن الماضي ، موعد انطلاق التفاوض على الحل النهائي “او كلما عاهدوا عهدا نقضه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ” .
القيادات الإسرائيلية لا تريد أن تعترف أن الفلسطينيين مهما طال الصراع ومهما تعددت الأجيال ، وتغير الدهر ، لن يتنازلوا عن حقوقهم ، وتصر على المضي في الصراع رغم ما ينتجه من تعقيدات على الأرض .
يجب على العالم الذي يدعي الحرية والحفاظ على حقوق الشعوب التوقف عن نفاقه وانحيازه الأعمى لإسرائيل ضد حق الشعب الفلسطيني في الحياة وينفذ ادعاءاته في حق الشعوب في تقرير مصيرها ، أم أن هذه الادعاءات ينقلب أصحابها عليها عندما تصل إلى الفلسطينيين الذين لم يبقى غيرهم في العالم تحت الاحتلال ، الذي إذا استمر فإن الصراع سينتج انفجارا كبيرا في فلسطين وسيتجاوز شرار الحريق الحدود ، ساعتها لن يسلم أحد لا في المنطقة ولا في العالم ، وسيدفع الجميع الثمن الكبير الذي لن يقدر عليه أحد .