الخرافات جزء من تفكير البشر منذ بداية الإنسان، تتنوع وتتشكل بحسب الزمان والمكان والمعطيات، ولكنها باقية مع البشر، يكافحها العلم وتضعفها المعرفة، إلا أنها تعيد إنتاج نفسها في كل مرة بصورة جديدة أو قديمة، إنها حاجة إنسانية لتغطية مساحة المجهول الهائلة في المعرفة البشرية، وهي تنتعش مع الخوف والمرض والضعف بشكل عام.
الزلازل ظاهرة طبيعية مدمرة، لا يمكن التنبؤ بها علمياً، ولكن تختلف استعدادات البلدان لمواجهتها والتعامل معها بعد حدوثها، فاليابان دولة معتادة على تكرار الزلازل ولذلك فبنيتها التحتية ومبانيها مجهزة لمواجهة الزلازل كلما تكررت، والمواطن الياباني تم تثقيفه علمياً لمعرفة طبيعة الزلازل وتدريبه عملياً على كيفية التعامل معها، مما قلل الأضرار لحدودها الدنيا كلما جاء زلزال جديد.
زلزال سوريا وتركيا المدمر خلف الكثير من الضحايا والمصابين، والزلازل الارتدادية له ما زالت مستمرة، وقد برزت ظاهرة تداولتها وسائل الإعلام بشغفٍ ونشرتها على نطاق واسع، وهي ظاهرة عالمٍ هولندي تنبأ بهذا الزلزال قبل وقوعه، وعلمياً هذه خرافة محضة، وكذب صريح، ولكن غالب وسائل الإعلام العالمية والعربية تفتش عن الغرائب التي تجذب الجمهور حتى وإن أضرت بالعقل والوعي والمعرفة للأسف الشديد. مسائلة عقلية بسيطة توضح القصة، لماذا لم يقم العالِم بتحذير العالَم بطريقة تمنع موت خمسين ألف إنسانٍ؟
لمَ لم يتواصل مع الحكومات أو وسائل الإعلام لتعليق الجرس قبل الزلزال؟ إن كان قد علِمَ علم اليقين بحدوثه، فعلى أي قواعد علمية بنى علمه؟ ولماذا لا ينشره في الجامعات وبين المتخصصين؟
ولماذا لا يتواصل مع الوكالات والمؤسسات الدولية لحماية البشر؟ لكل ثقافة خرافاتها، والتقدم العلمي لا ينفي الخرافات كليةً، ولكنه يسمح لها بالتطور مع عدم نفي القديم من الخرافات، وعلى سبيل المثال يؤمن كثير من الناس بخرافات السحر والعين والشعوذة، كل بحسب دينه وثقافته، وهي موجودة في الشرق والغرب، وكلما ازداد الإنسان علماً خف تصديقه لهذه الخرافات وأخذت حيزاً أقل من عقله وتصرفاته، والكائنات الفضائية هي احدى هذه الخرافات المتطورة.
بعد المنطاد الصيني الذي اجتاز أميركا وتم إسقاطه تحدثت الأخبار عن جسمين غريبين فوق أميركا وكندا تم إسقاطهما، وانتشرت انتشار النار في الهشيم أنهما يمثلان مركبات لكائنات فضائية، وخرافة الكائنات الفضائية هي خرافة غربية سببها التقدم العلمي المذهل، واكتشاف سخافة الخرافات القديمة، ولذلك لا تكاد تجد إنساناً شرق أوسطياً أو أفريقياً يخشى أو يخاف من هذه الخرافة أو يتداولها كما يجري في الغرب.
هذه الخرافة في الغرب ينفق عليها الملايين، وبعض القنوات الفضائية المهتمة بالعلم تخصص لها برامج متعددة ومتنوعة وتنفق على إنتاجها مبالغ طائلة، وبعضها يفتش في النقوش القديمة والحضارات البائدة ليقول إن هذا النقش يعني كائناً فضائياً قديماً شوهد في مجاهل آسيا أو أدغال أفريقيا أو غابات الأمازون، وبالتالي فذهن الإنسان قابل دائماً لتصديق الخرافات التي ينتجها بنفسه بحسب ظروفه والمعطيات لديه.
إيلون ماسك الملياردير المثير للجدل، والمتهم من المقتنعين بخرافة الكائنات الفضائية أنه يتواصل مع تلك الكائنات، غرد ساخراً عبر موقعه الذي يمتلكه «تويتر» قائلاً: «لا تقلقوا، إنهم أصدقائي الفضائيين» والسخرية بخرافات الناس ليست أمراً جيداً، فالمقتنع بخرافة ما يبني على خرافته عملاً وخططاً ومنهج حياةٍ، وبالتالي فهو لا يفهم السخرية سخرية، بل يعتقد أنها تمثل الحقيقة والواقع الذي يجب التعامل معه. أخيراً، فالخرافات واحدةٌ أنى تشكلت وكيفما تم تسويقها، إنها انحياز للوهم بدل العلم، وانجراف وراء الخوف لا العقل، والخرافات يخلقها الإنسان ثم يصبح أسيرها.
نقلاً عن الاتحاد