كتب : المهندس سليم البطاينه
الاردن اليوم – لطالما أدركت دول الغرب ومعها إسرائيل القيمة التي يختزلها السودان نظراً إلى غناه بالموارد الطبيعية من ماء وثروة حيوانية ، وذهب وفضة ، وكروميت ، وزِنك ، وحديد ، ومئات الملايين من الدونمات الصالحة للزراعة ، وعشرات الملايين من الغابات الصالحة للري.
فقد احتل السودان مكانة بارزة منذ خمسينات القرن الماضي في عقيدة المحيط الإسرائيلية والتي كانت عبارة عن استراتيجية لمواجهة التهديد الناصري في ذلك الوقت.
فالسودان من وجهة نظر تل أبيب كما قال الصحفي الإسرائيلي المختص بالاقتصاد ( Danny Rakeen ) كنزاً أستراتيجياً وقصة مختلفة عن أي بلد عربي أو أفريقي ! فالصناعة الرئيسية في السودان هي الزراعة والثروة الحيوانية وتربية المواشي والأبقار ،،، وأراضيه الصالحة للزراعة تزيد عن ١٧٥ مليون فدان ( الفدان ٤٢٠٠ متر ) ، و٥٢ مليون فدان من الغابات والمناطق الصالحة للرعي.
ويستطيع أن يطعم مليار شخص إذا ما تم استثمار أراضيه الزراعية وثروته الحيوانية بالشكل الصحيح ، فهو يمتلك خارطة زراعية هي الأكبر في أفريقيا، ويتشارك حدودياً مع سبعة دول أفريقية ، ويمتلك أحد أهم الموانئ على البحر الأحمر ( ميناء بور تسودان ) ،،، ويعد أحد أباطرة أسواق المواشي وتربية الأبقار في خارطة الثروة الحيوانية في أفريقيا.
فضمن مخرجات مؤتمر القمة العالمي للأغذية الذي عقد في إيطاليا في كانون الثاني (١٣-١٧ ) عام ١٩٩٦ كان السودان بجانب البرازيل وأستراليا وكندا من الدول التي يؤمَل عليها لسد نقص الغذاء العالمي ، لما يتوافر فيه من مقومات زراعية واراضٍ خصبة ، ومياه متدفقة يفوق حجمها ( ٣٠ مليار متر مكعب سنويا ) ، عدا عن مياه الأمطار ، والمياه الجوفية الضخمة ،،، فحوض النيل الذي يمر عبر السودان وعلى طول الطريق وبالاتجاهين من أثيوبيا وكينيا إلى مصر حيث المناطق الزراعية الخصبة والضخمة الغير مستغلة ، والتي من الممكن أن تكون سلة غذاء وحظيرة حبوب عالمية تتحكم بها إسرائيل.
إسرائيل لم تعد مجرد عدو محتل للأراضي العربية ،،، لكنه كيان له خطط وأستراتيجيات تهدف للتوسع والسيطرة ، وخلخلة القوى المعارضة لها في المنطقة ،، والاستفادة من الخلافات بين دول المنطقة لتحقيق مكاسب أكبر ،،، فقد حدد ( رؤوفين شيلواح ) الأب المؤسس للاستخبارات الإسرائيلية ( الموساد ) عناصر مهمة من تلك الاستراتيجيات تجاه (٧) دول هي فلسطين ولبنان وسوريا والعراق ومصر وإيران ، والسودان ، حيث ركز على ان السودان بموارده وأراضيه الشاسعة الخصبة سيكون واحد من اربع دول في العالم كسلة غذاء العالم ! وهو ما يضمن لتل أبيب التفوق الإقليمي والعالمي لعشرات السنوات مستقبلاً ،،، فالاستثمار في المجال الزراعي والثروة الحيوانية مضموناً وغير محفوف بالمخاطر مقارنة بالدول المجاورة.
شيلواح يستطرد بالقول أن إسرائيل بتطبيع علاقاتها مع السودان ستقطع الطريق أمام الكثير من الجهات المعادية لها ،،، وسيمهد لها الطريق لإسرائيل لوضع موطئ قدم على البحر الأحمر لمنافسة أي محاولات استثمارية سعودية ولمواجهة الأستثمار التركي ،،، وبذلك تستطيع السيطرة على ساحل البحر الأحمر الذي يشكل هاجساً كبيراً باعتباره أخطر المسارات لتهريب المؤن والاسلحة لقطاع غزة ،،، وهذا إن تحقق سيشكل تهديداً للأمن القومي المصري في خاصرته الجنوبية.
إن نظرية التفوق الزراعي تسيطر على العقلية الاسرائيلية ،،، وتحت عنوان المصالح من التطبيع مع السودان كُتب الموقع الالكتروني الاخباري للقناة ١٢ الاسرائيلية ان اسرائيل ستربح على صُعد مختلفة من هذا التطبيع ، وستكون السودان عبارة عن ارضٍ خصبة للمنتجات الاسرائيلية ،،، فموقعها على طول نهر النيل وعلى طول البحر الأحمر يجعلها رصيداً أستراتيجياً … ولتوسيع نشاط الشركات الإسرائيلية فقد تجلت الخطوة الأولى بإعلان شركة داشان الإسرائيلية لصناعة الأسمدة والكيماويات الزراعية استعدادها لتمويل ما نسبته ١٠٠٪ لإنشاء مصنع للأسمدة في الخرطوم.
إنه أنخراط مبكر للشركات الاسرائيلية في العديد من الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية داخل الاراضي السودانية يعتبرها الاسرائيليون كنزاً ثميناً لا بد الاستفادة منه سريعاً ،،، فهي تحاول إسالة لعاب السودانيين من خلال بعض الحزم والمحفزات والمغريات بتوقيع عقود طويلة الأجل لاستصلاح واستغلال الأراضي الغير مستغلة للزراعة والتي تقدر ب ٧٠٪ من أراضي السودان ،،، حيث تشير الدراسات العالمية ان الانفاق الحكومي على الزراعة في السودان متدنٍ جداً ! وأن فقط ٢٠٪ من أراضيه الصالحة للزراعة يتم زراعتها وأكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر !
السودان مستهدف في العمق ويعيش حالياً حالة من الضعف والعجز وفقدان الإرادة لم يسبق لها مثيل ،،، وهنا نطرح سؤال : لماذا يجوع السودان ؟ ولماذا يتسول القمح والغذاء رغم امتلاكه قدرات تؤهله لأن يطعم مليار شخص وأن يصبح واحداً من اربع دول في العالم كسلة غذاء العالم ؟