الأردن اليوم – المهندس سليم البطاينه – رغم ان الانتخابات البرلمانية القادمة ليست قريبة ، لكن بدأت تداعيات قانون الانتخابات الجديد ، وضيق الأفق في توزيع الدوائر الانتخابية وتحديد مقاعدها تتصدر المشهد ، وإن أرباكاً سيصيب المشهد الانتخابي القادم سيؤثر دون أدنى شك على الإبعاد الديموغرافية والعشائرية في الأردن ، خاصة في محافظات اربد والزرقاء باعتبارهما من أكبر المحافظات مساحة وعدداً في السكان.
فالتمثيل من خلال تعداد السكان مبدأ أساسي من مبادئ الديموقراطية وشفافية التشريع ، ووضع قوانين انتخاب لأغراض سياسية لا قانونية يهزّ أركان الإصلاح ، ويشكل خللاً كبيراً داخل المجتمع الأردني ،،، فالأصل في التشريع هو حسن النية وإلا تحول كل شيء إلى مؤامرة ،،، فصورة المؤسسات التشريعية ليست سوى انعكاس طبيعي لهشاشة الطبقة السياسية ، نتيجة سنوات طويلة من تصحير العمل السياسي وتقيده بسبب تغوّل العقل الأمني.
وغياب الحقيقة والعلانية يعتبر واحداً من أبرز أسباب تهميش عملية التشريع في الاردن نتيجة ضعف الثقافة السياسية من جهل في المعرفة السياسية ،،، فالكثير من المفردات والتوصيفات الجميلة تفقد قيمتها عندما تستخدم عكس مضمونها ،،، فما زال الاردنيون حتى الآن يحملون في مخيّلتهم الجمعية فكرة في غاية السوء عن انتخابات سابقة طالها عمليات تزوير واسعة حددتها معايير زبائنية خالصة.
فلا يعقل أن خمسة ملايين ناخب موزعين على ١٨ دائرة انتخابية لهم ٩٧ مقعداً ،،، وعشرون الفاً لهم ٤١ مقعد ! ولا يمكن ولا يعقل أيضًا أن نخفض ٣٠٪ من مقاعد الدائرة المحلية لصالح أحزاب لا يزيد عدد منتسبيها عن ٢٠ ألف ،،، أي بمعنى ان نشهد انحراف سلبي في التمثيل.
ومن السذاجة السياسية ان يقال أن خطوات الإصلاح ستتحدد من خلال الأحزاب ،،، فهي لا تعبر عن حقيقة الوضع ومكنوناته ، فهناك آفات وعقبات كثيرة تحول بين الاحزاب الاردنية وتحقيق وظائفها ، والقيام بأدوارها الحقيقية في مجتمعنا الاردني الذي ما زال يرفضها ،،، فالدوائر الانتخابية هي الوعاء الانتخابي ،،، وسيظل هاجس ارتفاع نسبة مقاطعة الانتخابات ماثلا لأسباب كثيرة يزيد من تصاعد حدتها انخفاض مستوى التمثيل في الدوائر المحلية ،،، والخوف حينها من ( حليمة وعادتها القديمة ) ومن النفخ في نسبة المشاركة ، فكل قوانين الانتخابات السابقة كان الغرض منها ضمان هندسة الانتخابات بعدم تكافؤ الفرص.
ان مخرجات منظومة التحديث السياسي ليست قانوناً للعمل السياسي ، إنما هي رؤية مثل غيرها من الافكار تخضع للمراجعة ، ولا عاصم لها من النقد ، ولا تحيط بها قدسية ، ويفترض بالبلدان التي تعمل على الإصلاح السياسي والاقتصادي بأنها تحتاج إلى أجيال سياسية ليست مراهقة ولا هشة ! بل ناضجة سياسياً.
فتحسين البيئة العامة المسمومة شرط أساسي وضروري لنجاح أية انتخابات قادمة ،،، وان الاستقرار السياسي سيؤدي إلى دفع المواطنين للمشاركة وإلى تحقيق الاندماج.
والعنصران الحاسمان في مصداقية أية انتخابات من عدمها هو اتساع قاعدة المشاركة الشعبية ، ووجود إطار تشريع مُنظم على خارطة الطريق الضامنة من الخروقات التي تتعرض لها العملية الانتخابية دوماً وصولاً إلى إعلان نتائجها الكاملة والنهائية ، حيث أن الأول يحقق السيادة الشعبية ، والثاني يُعمق الثقة بالنتائج ويُحصن القرار السياسي لاحقاً.
إن قلق السؤال حول قانون الانتخاب وتوزيع الدوائر يقودنا إلى السؤال الأهم : ما هي اللعبة السياسية القادمة ؟ وما هي شروطها ؟ فالأصل أن لا يكون لأي قانون انتخاب قراءة سياسية تخدم تصفية القضية الفلسطينية أو تمس هوية الدولة الاردنية.
فالاستطلاعات تُظهر لنا بأن الدولة تسير نحو واقع غامض ! فحينما يتم الإصرار على المضي بدرب سياسي مُبهم وغامض فإن العواقب غالباً ما تأتي عكسية.
إننا نؤمن إيماناً راسخاً بأن فلسطين تسكن قلب كل أردني ، وليس صعباً القيام بإصلاح سياسي حقيقي يأخذ هواجس تصفية القضية الفلسطينية والتوطين بعين الاعتبار ،،،،، فجدل الهوية لا يخدم إلا إسرائيل.
وبالتأكيد أن وثائق ( Wikileaks ) ورسائل السفارة الامريكية في عمان لفكرة الحقوق المتساوية سياسياً تُعيدنا إلى جدل التمثيل الفلسطيني في مجلس النواب الأردني ، وما يترافق معه من جدل يتعلق بـ التوطين والوطن البديل بتفريغ سكان الضفة الغربية وتصفية القضية الفلسطينية.
فأمريكا ومعها إسرائيل والابراهيمون الجدد يشجعون فكرة الإصلاح السياسي في الأردن بغرض فتح المجال أمام امتصاص المكوّن الفلسطيني العظيم في الجسد السياسي الأردني وبالتالي إلى تحقيق مشروع الوطن البديل ! حيث تُشير التطورات المعلنة والخفية إلى توفر الظروف المناسبة لترتيبات قد تؤدي إلى إغلاق ملف القضية الفلسطينية بتسهيل مخططات وتسويات معينة لفرض أمر واقع.
نحن على وشك الغوص في أوحال الشك والتشكيك ! فقد مرّت مياه كثيرة من تحتنا ! وتغيرت معطيات حتمية في أفق السماء السياسي الأردني ،،،، فبنظرة خاطفة إلى خريطة الأحداث واللقاءات كفيلة أن تُصيبنا بالذهول رغم كل الضبابية والغموض اللذان يحيطان بالمشهد ،،، فالمتغيرات والأحداث المتسارعة تحمل العديد من المؤشرات المزعجة.