الاردن اليوم – في تصعيد مفاجئ، ينذر ببلوغ المعركة التقنية الدائرة حالياً في العالم، مستويات محتدمة جديدة، قامت الصين منذ أيام قليلة، بتقييد صادرات معدنيْن أساسييْن، يستخدمان في صناعة الرقائق والإلكترونيات ومنتجات الطاقة الشمسية.
وبحسب إشعار صادر عن وزارة التجارة ووزارة الجمارك الصينية، فإنه واعتباراً من الأول من أغسطس 2023، وحماية للأمن القومي ومصالح البلاد، يمنع على أي طرف في الصين، تصدير معدني الجاليوم والجرمانيوم، حيث يجب على المصدرين لهذه المعادن، في حال رغبوا بالاستمرار في شحنها إلى خارج الصين، التقدم بطلب للحصول على تراخيص يسمح لهم بذلك.
ما هي معادن الجرمانيوم والجاليوم؟
الجرمانيوم والجاليوم، هي المعادن التي لا تتواجد بشكل طبيعي، بل يتم استخراجها عند إنتاج معادن أخرى، ولذلك تعد من المعادن الثانوية.
ويتكون الجرمانيوم، الذي يأتي بلون فضي مائل إلى الأبيض، كمنتج ثانوي من عملية إنتاج الزنك، في حين يتكون الجاليوم الذي يأتي بلون فضي، كمنتج ثانوي من عملية معالجة خامات البوكسيت والزنك.
ما مدى أهمية هذه المعادن؟
الجرمانيوم والجاليوم هي من المعادن غير المعروفة ولكن مهمة، حيث يستخدم الجرمانيوم في تصنيع منتجات الطاقة الشمسية وكابلات الألياف الضوئية، ورقائق الكمبيوتر عالية السرعة والبلاستيك، كما يمكن استخدامه في تصنيع المعدات العسكرية، مثل نظارات الرؤية الليلية والأقمار الصناعية.
أما الجاليوم فيستخدم في صناعة الرقائق الإلكترونية، وصناعة أشباه الموصلات، أي بكل ما يتعلق بصناعة الأجهزة الإلكترونية.
من يسيطر على معدني الجرمانيوم والجاليوم؟
وفقاً لتحالف المواد الخام Critical Raw فإن الصين تنتج 60 بالمئة من الجرمانيوم في العالم، و80 بالمئة من الغاليوم.
وتهيمن الصين على إنتاج هذين المعدنين ليس لندرتهما، ولكن لأنها تمكنت من الحفاظ على تكاليف إنتاجهما منخفضة إلى حد ما، حيث لم يستطع المصنعون في أماكن أخرى من العالم من مضاهاة الصين في تكاليف إنتاج الجرمانيوم والجاليوم، فاستخراج هذين المعدنين، يمكن أن يكون مكلفاً وصعباً من الناحية التقنية، وبالتالي يمكن القول إنه لا يوجد نقص عالمي كبير في الجاليوم أو الجرمانيوم، ولكن المشكلة هي أنه لا يوجد سوى عدد قليل من الشركات، التي يمكنها استخراجهما بكلفة مقبولة، وعلى رأسها الشركات الصينية ومن ثم اليابانية والأوروبية والكورية.
ما هو تأثير الصفعة التي وجهتها الصين للغرب؟
يقول مهندس الاتصالات عيسى سعد الدين، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن ما قامت به الصين، يمكن وصفه بالصفعة والخطوة الانتقامية من جانب بكين، في حربها التكنولوجية مع الغرب، فتقييد صادرات المعادن وربطها بالحصول على ترخيص، أتى ليظهر أن الصين لا تزال تحتفظ بأسلحة محورية في حربها التكنولوجية، لافتاً إلى أن بكين لم تستخدم في قرارها لغة “منع التصدير” ما يعني أن القرار هو بمثابة “طلقة تحذيرية”، تهدف إلى تذكير أميركا وحلفائها، من أن استمرارهم في فرض المزيد من القيود، على وصول بكين إلى الرقائق والأدوات المتطورة في صناعة أشباه الموصلات، ستكون له ارتدادات قاسية.
خلفيات القرار الصيني
يشرح سعد الدين أن لجوء الصين لاستخدام معدني الجرمانيوم والجاليوم، الذين يعدان من ركائز عملية تصنيع الإلكترونيات وأشباه الموصلات، يأتي بعد أيام فقط من قيام هولندا بتقييد بيع معدات تصنيع الرقائق المتطورة إلى الخارج، في خطوة سبقتها إليها اليابان، مشيراً إلى أنه رغم عدم تحديد هولندا واليابان الجهة التي سيتم منعها من الوصول إلى هذه المعدات، إلا أن الصين ترى أن هذه القرارات تستهدفها بضغط من القيود التكنولوجية، التي تفرضها أميركا لعزلها عن المعدات الرئيسية في صناعة أشباه الموصلات و الرقائق.
خيارات انتقامية جاهزة
بحسب سعد الدين، فإن الصين تريد إيصال رسالة للعالم، مفادها أنه إذا كنتم تملكون المعدات والتقنيات اللازمة لصناعة أشباه الموصلات والرقائق، فنحن نملك المواد التي تصنع هذه المعدات والتقنيات، إضافة إلى مواد صنع منتجات الطاقة الشمسية، ما يعني أنه في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحوّليْن رئيسييْن عنوانهما الذكاء الاصطناعي التوليدي والتحول نحو الطاقة النظيفة، فإن العديد من المفاتيح الأساسية المرتبطة بهذين التحوليْن، موجودين في يد بكين، التي وفي حال تمت محاصرتها بشكل أكبر، فإنها سترد بخيارات انتقامية لم تستخدمها بعد ما سينعكس سلباً على مختلف الصناعات العالمية.
أسعار المعادن بعد القرار الصيني
وبحسب رويترز، فقد ارتفع سعر كيلوغرام الجاليوم بنحو 20 بالمئة إلى 274 دولاراً بعد القرار الصيني، في حين وصل سعر كيلوغرام الجرمانيوم إلى أكثر من 1370 دولار مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 4 بالمئة.
وتستهلك الصين نحو 85 بالمئة من الإنتاج العالمي للغاليوم، ووفقاً للجمارك الصينية فقد صدّرت البلاد 94 طناً مترياً من هذا المعدن في عام 2022، بزيادة 25 بالمئة عن العام السابق، فيما بلغت قيمة واردات الولايات المتحدة من الجاليوم نحو 203 ملايين دولار في عام 2022، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
أما بالنسبة لمعدن الجرمانيوم، فقد استوردت الولايات المتحدة ما قيمته 60 مليون دولار من المعدن، بينما بلغت فاتورة استيراد الجرمانيوم في الاتحاد الأوروبي 130 مليون دولار عام 2022.
السوق بحاجة إلى من يطمئنها
من جهتها، تقول الصحفية الاقتصادية رنى سعرتي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن تأثير القيود التي فرضتها الصين على تصدير معدني الجرمانيوم والجاليوم، سيكون محدوداً في المرحلة الأولى ويتعلق فقط بارتفاع أسعار هذه المعادن، حيث توجد مصادر أخرى يمكن الحصول منها على المعدنيْن، إضافة إلى إمكانية استبدال معدن الجاليوم بمواد بديلة مثل السيليكون، مشيرة إلى أن هذا لا يعني أن الوضع سيكون صحياً، فالسوق بحاجة الآن إلى من يطمئنها، خصوصاً أن الصين والولايات المتحدة أصبحتا متورطتين بشكل متزايد في الحرب التكنولوجية، التي بدأت منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
مواجهة جديدة تلوح في الأفق
وتكشف سعرتي أن دول مثل بلجيكا وكندا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وأوكرانيا وروسيا، يمكن لها أن تزيد إنتاجها من معدني الجرمانيوم والجاليوم، ولكن الأسعار ستصبح أعلى، وهذا سينعكس ارتفاعاً في أسعار مختلف المنتجات، التي يدخل في صناعتها هذان النوعان من المعادن، لافتة إلى أن القواعد الجديدة لتصدير الجرمانيوم والجاليوم من الصين، تحتاج إلى موافقة السلطات، ما يعني أن الأسعار ستتحرك وفقاً لما تقرره الصين. ففي حال وافقت على رخص التصدير، فإن الأسعار ستنخفض أما في حال حصول عكس ذلك فإن الأسعار سترتفع.
وتختم سعرتي حديثها لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بالإشارة إلى أن الأيام القليلة المقبلة، قد تشهد فصلاً جديداً من المواجهة التكنولوجية بين أميركا والصين، حيث ذكرت معلومات صحفية أن واشنطن تريد الحد من وصول الشركات الصينية، إلى مزودي الخدمات السحابية في الولايات المتحدة، وهذا سيحدث شرخاً جديداً في العلاقات المتوترة اصلاً بين الطرفين.
سكاي نيوز