المهندس سليم البطاينه
من المصطلحات الحديثة الذي أضيف إلى المعاجم هو ( المال السياسي ) ! الذي حتى الان تغيب تعريفاته الوافيه من حيث مجمل تأثيراته وأدواره التي يتداخل فيها عبر الشقوق والثغرات التي يمكن ان تطال العملية السياسية ، بواقع أنه يمد أذرعه في كل الانشطة.
قصة المسار مع المال السياسي متعددة وتتجاوز الكتابة عنها بمقال واحد ! إذ ستظل القصة مفتوحة داخل صندوق أسود يُمنع الاقتراب من مفاتيحه.
في شهر رمضان الماضي المبارك تابعت مسلسلين فقط الاول : المسلسل المصري جعفر العمدة ، والثاني هو المسلسل الامريكي الدرامي House Of Cards من خلال شبكة ( Netflix ) ، المكون من (١٣ حلقة ) والحائز على عدة جوائز ،،،،،،،،، احداث المسلسل تدور حول السياسة في أمريكا وحقيقة المطبخ السياسي في واشنطن ! والذي يُجبرك بعد انتهاء حلقاته ال ١٣ أن تُفكر بسؤال : ايهما أهم ؟ المال أم السلطة ، ولماذا ؟ وهل السلطة تقود الى المال أم العكس ؟
تلك التساؤلات تقودنا الى ما قاله الفيلسوف والناقد السلوفيني Salavoj Zizek كبير الباحثين في معهد علوم الاجتماع بجامعة ( ليوبليانا ) ، والذي يوصف بأنه أخطر فيلسوف في الغرب ،،، ما قاله Zizek ( إذا أردت أن تُفسد مجتمع فما عليك إلا فتح باب الزواج بين السياسة والمال والسلطة ! فالتزاوج بينهما كاثوليكي يقود الى تعبيد الطريق نحو الفساد ، ويتربص الخطر بالامن القومي من جميع الاتجاهات ، فــهو يُعد جزء من الفساد العام في المجتمع والدولة ،،،،، والعلاقة بينهما تُعد جريمة كاملة ومكتملة الاركان ،،، فالمال الذي يتجاوز الحدود الجغرافية لديه القدرة على بناء نفوذ سياسي عابر للحدود ). انتهى الاقتباس.
على ما يبدو أن السياسة وأخواتها في العالم العربي ليست مجانية وأصبحت تُشكل اليوم أمراً مكلفاً الى درجة تحول المال الى عنصر من العناصر الاكثر تاثيراً في إدراك تفاصيل العمل السياسي ، والاكثر تهديداً للاصلاحات السياسية ،،،،، فقد بلغ المال السياسي دوراً محورياً في التأثير على بؤر صُنع القرار السياسي ! وارتباطه بعلاقة مطردة ترفع أسهمه في السياسة ، فــهو المحرك الذي يدير كل شي تقريباً ! واصبح هو الذي يحدد القدرة التنافسية في اية انتخابات لأنه العامل الاوفر حظاً بتغير النتائج ومصادرة ارادة الناخبين !
نعم ،،، المال يفتح جميع الابواب ولو كانت مُحصنة ومغلقة بإحكام وأقفالها مُشفرة ، ووجوده في السياسة يخلق تحديات ! وتغلغُله يؤدي إلى تصحير العمل السياسي والى تفكيك المختبرات السياسية و تفكيك الخطاب السياسي ! ويحوّل البلاد الى هياكل كرتونية تعصف بها الرياح من أي زمان إلى أي مكان ،،، فــهو يلعب دورًا في تشكيل لوبيات لقولبة الرأي العام ،،، فـكلما كان تأثيره على السياسة أكبر ضَعُف تأثير المواطن.
وإفساده للحياة السياسية لم يعد يقتصر على الدول المستقرة ، بل تجاوزها الى قوى معارضة للأنظمة ،،، فــ بالمال يُشترى كل شيء ( العمى والصم والبكم ، والسكوت والتواطىء ، وأصوات الناخبين ) ويبلغ ذروته عند شراء وبيع المراكز الاولية في بورصة خاصة تحاط بكل الكتمان والسرية.
فـكثير من التوازنات السياسية في العالم العربي لم يعد مصدرها عقد اجتماعي بل قوة المال وشراء الذمم ،،، فهناك ديموقراطيات هشة غير مُحصنة انفصلت عن مضمون دلالاتها اللغوية بسبب المال السياسي ، وسمحت بتدفق أموال مجهولة أو معلومة لغايات الاحزاب والانتخابات.
في الاردن،،،، رغم ادراكنا التام لمحورية وأهمية دور المؤسسة الملكية في حفظ التوازُنات وتدارك الاخطاء التي قد تنتج عن صناديق الانتخابات ، وعلى الرغم من الرسائل الواضحة التي أرسلها الاردنيين سابقًا من خلال مقاطعتهم الواسعة للانتخابات النيابية ،،،، إلا أنه لابد من الحذر في هذه المرحلة ، لأن شراك المال السياسي وأذرعه تنشط أكثر من ذي قبل ، وتوفر المال بيد أي حزب سيجعله قادراً على المناورة في أية تجاذبات سياسية داخل المضمار السياسي ،،، وهنا يجب على الدولة ان تكون على أستعداد لصناعة وعي سياسي للمواطنين ليكونوا فاعلين لاداء دورهم بعيدا عن آفة المال السياسي الفتاك ،،،، فلا يمكن لأي عملية ديموقراطية ان تنمو وتنجح دون ان يتوافر الركن المهم وهو الناخب ،،، فــ فصل المال عن السياسة حصانة للعمل السياسي.
فـمن العوامل التي ارهقت النظام السياسي الاردني هي فقدان الانتخابات لمصداقيتها وميكانزماتها الاساسية.