المهندس سليم البطاينة
اليوم وغداً وبعد غد: ماذا تريدون من غزة ؟ هذه البقعة الجغرافية الفقيرة المحاصرة.
ان الحدث ، أيا كان نوعه أو طبيعته ، إذا لم يُولّد لديك نوعاً من التحدي لن يكون له معنى او قيمة.
إنني أشعر بغصة وأنا أتابع أحداث غزة ، وأشعر بخيبة أمل من العالم الذي لا يعرف معنى الاخلاق والعدل ! وأشعر بالضعف الشديد لأني مؤمن بأن الحق يُنتزع ولا يُستجدى.
ليس هناك من تعبير يَصف الوضع العربي بأفضل من ( الخروج من التاريخ !! ) وتحول العرب من فاعل تاريخي الى مفعول به ،،، فإذا أقتربت من المشهد أكثر سترى قتيلاً يساعد قاتله والأدلة كافية !
المنطقة اليوم تعيش مشاعر غير قابلة للوصف ، فقر وجوع وحروب في اليمن والسودان وسوريا ،، وظلام في مصر ولبنان ! وعطش في المغرب ،، واقتتال في ليبيا ، والحدث في غزّة لا يمكن لأي عقل ان يتحمله ،،، الناس تموت في كل لحظة ،، فغزّة ليست حماس بل هي تاريخ وجغرافيا : هل تريدون شطبها من الجغرافيا كما أوصى رابين بذلك وترحيل سكانها الى مصر عبر هجرة جديدة لصحراء سيناء وجعلها مسؤولية عربية بعيدة عن إسرائيل ؟
الآن تخنقون غزة وتجتاحون الأقصى : هل هذا مصير غزة المحتوم ؟ لا ذنب لها إلا صمودها أمام حصار ظالم أكثر مما يتصوره التاريخ نفسه ،،،، ماذا تريدون من هذه البقعة الجغرافية الفقيرة والجريحة ؟ هل المطلوب تطويع إرادة غزة ومقاومتها والنيل من عزيمتها وإدخالها بيت الطاعة الصهيونية الامريكية ؟ ماذا تريدون من غزّة أكثر من هذا العراء والفقر والخوف ؟ هذا الاحتقان الذي يتزايد يوماً بعد يوم ،،، هذا الكبت النفسي الناتج عن الحصار ! فـ متى ستدركون ان من يزرع الريح يحصد العاصفة !
قدر غزة اليوم ان ترفع راية فلسطين كاملة من تحت ركام مشاريع التسوية والتطبيع ، وأن تكون الفعل الاقوى دفاعا عن الاقصى ،،، وان تكون معياراً بين من هو مع صيغ الانهيار والهزيمة وتمكين المشروع الصهيوني من أرض فلسطين.
نعم ، غزة محاصرة ومجروحة لكنها تمتلك أنياب الحق والصمود ،،، وما يحصل اليوم أعاد الى السطح مؤامرة توطين الفلسطينيين في سيناء الأقرب جغرافياً للأراضي المصرية ، وفي منطقة تمتد من العريش بعرض ٢٤ كلم حتى الجنوب بهدف السيطرة على أراضي فلسطين التاريخية ،،، ولتصبح تلك المنطقة بمرور الوقت وطناً بديلاً ينسف القضية الفلسطينية ويشكل تهديداً للحق الفلسطيني في إقامة دولته.
نعرف أنّ في حسابات المنطق البارد هناك الكثير مما يُخشى منه ! لكن في غزة الوضع مختلف عن حسابات المنطق ! فأهل غزة المُحاصرين داخل أكبر سجن على وجه البسيطة لا يوجد لديهم شيئاً يحرصون عليه حتى يخافون الموت ،،،،،، فحين يفقد الإنسان كل ميزة للحياة : ماذا ينتظر العالم منه ان يفعل ؟ واين ينتظر منه العالم ان يذهب ؟
إن مشاعر الذل والمهانة والإحساس بالعجز عجّلت من الانفجار ، فقد آن الأوان أن ينتهي الحصار وسياسة ادارة الحصار ،،،، فغزّة تريد ان تبني مستقبلها وان تكسر الحصار الصهيوني الأمريكي العربي عليها ،،، والفلسطينيون في غزة باتوا على استعداد أن يدفعوا أي شيء مقابل الحصول على حريتهم.
فـ قبل ٦ سنوات قال رئيس المخابرات الإسرائيلية ( هرتسل هاليفي ) أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست ان الاوضاع الانسانية في قطاع غزة في حالة تدهور ، وفي حال انفجارها ستكون باتجاه إسرائيل … فإسرائيل منذ حرب عام ٢٠١٤ أبقت حماس معزولة ومتحجرة ،،،، وهناك جيلاً كاملاً نشأ في غزة معزولاً عن العالم ! فلا يمكن سجن مليوني شخص دون دفع ثمن باهظ.
في الايام الاولى من الحرب على غزّة راج أكثر من تحليل أن حماس أستُدرجت الى دخول هذه المعركة كي تقوم إسرائيل برد فعل عنيف لتصفيتها وإجبار سكان غزة على النزوح الى الأراضي المصرية للتخلص منهم ،،، وتحليل آخر من منصات اعلامية غربية أكّد ضلوع ايران في تشجيع حركة حماس والهدف وقف إبطاء التطبيع بين السعودية وإسرائيل !
إيران حالياً باتت تمتلك رؤية أوسع لإدارة الفوضى داخل رقعة شطرنج جيوسياسية ثلاثية الابعاد ،،، وإسرائيل لا تريد السلام ، ولكن تريد استسلام شعوب المنطقة والإقليم وتصفية القضية الفلسطينية ،،، والغطرسة الإسرائيلية مستمرة في أفعالها وهي وراء كل ما يحدث.
والمأساة أننا لا نقرأ فعبارة ( شرق أوسط جديد ) عبارة يجب التوقف عندها في خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ! وهو مخطط سعت إسرائيل وأمريكا في تنفيذه منذُ زمن بعيد والذي يتمثل في جزء منه تهجير سكان غزة الى سيناء وتحويل قطاع غزة الى منطقة منزوعة السلاح ،،. والاستفراد لاحقا بالضفة الغربية وتهجير سكانها بطريقة ناعمة باتجاه الأردن.
كما قلنا سنرى المزيد والمزيد فيما هو قادم ! فالذي يحصل على أرض غزة بداية لأحداث كبيرة لا نعرف عنها شيئاً ! فإذا كانت النوايا الاسرائيلية والامريكية عُقدت لتصفية حماس ، فلنكن متأكدين من أنه سيظهر فيما بعد من هم أكثر راديكالية من حماس وغيرها.
الآن يجب أن يصحى من كان نائماً في سباته ، فـ ثمة من لا يزيد الاستيقاظ من الغفلة ويصرّ على متابعة الحياة.
المسجد الأقصى يضيع وكارثة هدمه باتت وشيكة فـ في الحرب كما في السلام تحكم لعبة ( عض الأصابع ) ،،، واللوم ورد اللوم بعد ذلك لن يغير شيئاً ،،، العين تنزف دما والقلب لحزين مجروح ،،، غزّة تتعرض للإبادة !!