المهندس سليم البطاينه
بالتأكيد بعد غزة هناك اسئلة كثيرة ، تحتم علينا قراءة تداعيات ما جرى وسيجري لاحقاً ! فحالتنا الاردنية ليست متفرّدة بملفاتها عن باقي ملفات المنطقة ،، والسؤال الأكبر الذي يرصد نفسه أمامنا ؛ هل من الممكن اجراء الانتخابات النيابية في موعدها القادم ؟ أم أن الاضطرابات السياسية والامنية والاجتماعية العاصفة في المنطقة ستكون أحد أسباب تأجيلها والتمديد للمجلس الحالي سنة أخرى ؟
كل من يتعامل مع السياسة بفكر ووعي في الأردن يدرك أن رقعة الغضب تتسع وأن الانتخابات القادمة مختلفة عن سابقاتها ، والأسباب عديدة ، أولها : حالة الضجر والتشاؤم ، والمناخ العام الذي تسيطر عليه مخرجات غزة من ابادة وتطهير عرقي ،،، ثانياً : العزوف والركود السياسي ، والفتور الشعبي ،، وتعقيدات الوضع الإقليمي ،، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمرّ بها الاردنيين ،، و سخط الشبان الغاضبين العاطلين عن العمل ، والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم.
نقف اليوم على عتبة عام جديد ، ونقلّب صفحات السنة المنتهية وننظر إلى تلك الزوايا والاحداث المؤلمة في فلسطين ،،،، ودخول السنة الجديدة بالنسبة لنا ليست أكثر من خط رمزي في الزمن ، وهي مناسبة للتأمل في ما جرى من قتل وتدمير وتطهير عرقي للوصول إلى استقراءٍ يُضيء لنا شيئاً من خفايا القادم.
والحقيقة التي لا مراء فيها أننا أمام محيط ملتهب مليء بالأزمات والأحداث من كافة الاتجاهات ! والناظر إلى خارطة الاردن الجيوسياسية يرى أن في الشمال دولة تتمزق ! والى الشرق لا زال العراق يخوض دوامته ،، وإلى الغرب لا يزال عباس يبحث عن شرعية مفقودة ،، وفي إسرائيل لا زالوا يتحدثون بكل أريحية أن الأردن تقع ضمن أرض الميعاد ويجب أن يهجر إليها كل الفلسطينين حيث دولتهم هناك ! وهذا ما كتبه قبل أيام الصحفي الاسرائيلي Moshe Dane في صحيفة Haaretz أن خطة تهجير الفلسطينيين من غزة ومن يهودا والسامرة تم الاتفاق عليها ( تحت الطاولة ) عام ٢٠٠٨ عندما طرحها رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي في تلك الفترة David Ivry ,, وقال Dane أن حدود إسرائيل مع الأردن ستخضع قريباً وبعد انتهاء العمليات العسكرية في غزة لترتيبات جغرافية وديموغرافية.
نعود الى موضوعنا الرئيس ،،، الكل حالياً في الاردن ينظر الى تطور الاحداث في المنطقة والإقليم ، وهناك الكثير من النقاشات الداخلية الغير معلن عنها من بعض الغير متحمسين لإجراء الانتخابات النيابية القادمة رغم اقتراب موعدها ! إلا أن الجدل لا يزال قائماً حول جديّة إجرائها في موعدها.
كل الخيارات صعبة وكثيرة هي السيناريوهات الموجودة على الطاولة هذه الأيام ،، وبغض النظر عن أية آراء متضاربة أو تصورات متباينة ! لكن في تقديري أن فرص إجراء الانتخابات في موعدها قد تراجع نظراً لانعدام الأجواء المناسبة حتى ولو تم الادعاء بغير ذلك.
نعم، من حق الأردنيين إلا يبالوا في أية انتخابات قادمة ! ومن الصعب تغيير قناعاتهم السلبية تجاه مجالس النواب بشكل عام ! والسبب ان البضاعة قديمة ،، فهم يرون أن غالبية مجالس النواب منذ عام 1993 خلعت أنيابها الدستورية وأختارت اللعب في الحارات ولم تهتم بتراجعنا إلى الخلف ولا بأوهام التنمية وانهيار التعليم والصحة ! وأن غالبية الأحزاب السياسية الناشئة تشهد حالة مراهقة سياسية تحاول البحث فيها عن شرعية غير موجودة في الأصل نظراً لارتباطها تمويلياً بشخصيات خارج الاردن ،،، وان البناء الجغرافي الذي تم اعتماده لتقسيم الدوائر الانتخابية حول الأردن إلى جزر و كانتونات.
قلت في مقال سابقٍ لي أن المناخ السياسي في الأردن وعلى مرّ تاريخه لم يتسم بالمثالية ، وان مشكلاتُنا تتطلب العمل مع أسئلة كبيرة وهي : التجنيس والهوية وارباكاتُها ، والديموغرافيا ، والرؤية ، والحريات ، والحوار ، والمكاشفة ، وقواعد اللعبة القادمة ،، والمشروع الوطني الغائب ، ومشاريع الإصلاح السياسية على الأرض !
لاشك اننا بحاجة الى فسحة هدوء وأستقرار والى تفكير وفكر مركب متعدد الأبعاد والمرجعيات للوقاية من أخطار قادمة ،،، فـ أيّة انتخابات قادمة مهما كان تاريخها لابد ان تحمل بشائر التغيير في الخارطة السياسية الاردنية وازاحة الكثيرين من ساحات المشهد السياسي ! حيث لن يقبل الأردنيون بعد الآن رؤية ساحة سياسية مشوهة مطعون في مصداقيتها.
وسؤالي الذي لا انتظر إجابةً عليه : هل أنتم جادون فعلاً في إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ؟ أم لا زلتم لا تقرأون الوضع كما نقرأه نحن ؟