جرَت العادة ان يصنف البنك الدولي اقتصادات العالم الى اربع شرائح دخل : ( بلدان مرتفعة الدخل ، والشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل ، والشريحة الدُنيا من البلدان متوسطة الدخل ،، والبلدان منخفضة الدخل).
ويستند هذا التصنيف الى نصيب الفرد من اجمالي الدخل القومي ( بالقيمة الحالية للدولار ) ،، ويتم تحديث التصنيفات في كل عام ( ١ تموز ) وتعتمد على الناتج القومي للعام السابق.
للاسف كان الاردن هو البلد الوحيد على مستوى العالم الذي شهد تخفيضاً لتصنيفه في ١ تموز الماضي ! فقد خفض البنك الدولي تصنيف الاردن من دولة متوسطة – مرتفعة الدخل إلى متوسطة منخفضة الدخل ! وبحسب مقياس البنك فإن نصيب الفرد الاردني من الدخل القومي (GDP) أصبح ما بين ١١٣٦ – ٤٤٦٥ دولار / سنوياً ! رغم أنه حتى عام ٢٠٢٢ كان ما بين ٤٠٩٦ – ١٢٦٩٥ دولار / سنوياً.
هذا التصنيف ينذر بخطورة لا يمكن تجاهلها ،، ومن شأنه أن يؤثر في جوانب اقتصادية واجتماعية كتقليل فرص العمل ، وعدم قدرة الحكومة على تمويل المشاريع الحيوية وتوفير خدمات اساسية كالصحة والتعليم والنقل والبنية التحتية ،، وانخفاض حجم التمويل من المؤسسات المالية الدولية ،، وارتفاع نسب الفقر والبطالة ،،، ويعني أيضاً ان الدولة تعاني من تحديات اقتصادية ومن ضعفٍ في الدخل القومي الاجمالي للفرد.
إن جوهر معركة المؤشرات قائم على الاختلاف ، ومع ذلك لا يزال الناتج المحلي الاجمالي يعد بطاقة قياس الاداء الاقتصادي للدولة وأفضل مؤشر لتوجيه السياسات الحكومية ، حيث أن اجمالي الناتج المحلي واحداً من اهم الارقام عند دراسة الاقتصاد الكُلي ،، والذي يُقاس في مجالات عديدة ( كالدخل والانتاج والاستثمار والصحة والتعليم والتدريب المهني ، واذا اردنا ان نقيس النمو الاقتصادي لبلد ما ، فكل ما علينا هو النظر في البنية التحتية للمنظومة التعليمية والصحية لذلك البلد.
وحسب مؤشر جيني ( Gini index ) لقياس عدالة الدخل القومي فإن غالبية دول العالم تنفق ما بين ٥٠-٦٠٪ من ناتجها المحلي الاجمالي لتوفير حياة كريمة لشعوبها ،، لكننا في الاردن لا ننفق أكثر من ٢،١٪ من حصة الناتج المحلي الاجمالي ! وهناك أكثر من ٦٠٪ من الاردنيين خارج دائرة التنمية الاقتصادية الاجتماعية.
قبل أشهر اطلعني احد الاصدقاء على دراسة قام بها صندوق المعونة الوطنية بالتعاون مع برنامج الاغذية العالمي (WFP) في اذار ٢٠٢٣ ،،، بيّنت الدراسة ان نحو ٦٠٪ من الأُسر التي تتلقى المساعدة من صندوق المعونة الوطنية تعاني من انعدام الامن الغذائي أو معرضة له ،،،، وفي ١٣ حزيران / ٢٠٢٣ أصدرت منظمة حقوق الانسان Human Rights Watch تقريراً لها مكون من ١٧٤ صفحة قالت فيه ان برنامج التحويلات النقدية في الاردن والممول من البنك الدولي تقوضه أخطاء وسياسات تميزية ، وقوالب نمطية حول الفقر في الاردن ! وان النهج الذي يتّبعه البنك الدولي والحكومة الاردنية في تخصيص المساعدات النقدية باستخدام ( الخوارزميات Algorithms ) يُهدد حقوق الفقراء في الاردن.
التقرير اشار الى تدني معدلات الدخل وضعف نمو دخل الاسرة ! والى تقليص النمو الحقيقي للفرد ،، والى ان الاردن حالياً بات يحتل المركز الرابع عربياً بين الدول الاكثر فقراً ، وان هناك واحد بين كل أربعة اشخاص يعيشون في الاردن والعراق وسوريا ولبنان واليمن يعانون من انعدام الامن الغذائي.
في كتابه ( الامير والفقير ) ، يقول المؤلف الامريكي Mark Twain ( ١٨٣٥-١٩١٠ ) لا يوجد بلد فقير ، هناك دول فاشلة في ادارة مواردها ، والفقر ليس مرضاً ينتقل بالوراثة عبر الجينات. انتهى الاقتباس ،،، والحديث عن فقر الاردنيين ليس كل الحقيقة ، لكنه بالتاكيد جزء أساسي من الحقيقة ،، فالفقر في الاردن أخذ منحنى تصاعدي وبدأ يضم المزيد الى اتباعه سنوياً ،والفقراء في الاردن هم من يدفعون الثمن ،،، وأحصائيات البنك الدولي الاخيرة تُشير الى ان معدل الفقر في الاردن سيرتفع ( ١١ نقطة مئوية ) بعد ان كان ١٥،٧٪ ليصل الى حوالي ٢٧٪.
الاوضاع في الاردن حالياً مرشحة للمزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي والمعيشي ولا حاجة الى سوق الارقام عن استشراء الفقر والبطالة وعن تراجع مستوى التعليم والرعاية الصحية ، فـ التنمية الاقتصادية ليست ارقام يطلقها اي كان ،، والخوف من كارثة اقتصادية بثمن اجتماعي باهظ ،،، فـ تقرير الفقر الكُلي لعام ٢٠٢٣ الذي أصدره البنك الدولي حذّر من صدمات محتملة سببها زيادة رقعة الفقر واعداد الفقراء خلال السنوات القادمة في منطقة الشرق الاوسط.
التدخل من قبل الدولة لابد ان يكون مبكراً للعمل على عقلنة الفعل الاقتصادي خوفاً من الانهيار المفاجىء ،، مع وضع خطة اقتصادية جرئية تشمل اعفاءات ضريبية وتخفيض نسب الفائدة البنكية ، وتسهيل اجراءات القروض التجارية ، وتخفيض الضرائب المباشرة وغير المباشرة ، ودعم الصادرات ، وتخفيض كلف الانتاج ، واقامة اطار عام لإدارة المخاطر وصناعة مبادرات اقتصادية تنعش قلب اقتصاد مريض بفوبيا الاقتراض والمساعدات والمنح اذا كنا نرغب في تجاوز ازمتنا الاقتصادية والمالية ،،، وهذا من شأنه بعث رسائل ايجابية للأردنيين والممولين الدوليين والمستثمرين لطمأنتهم.
من الصعب ان نطمح لنمو اقتصادي دون رصد لمستوى الانتاجية ، فالانفاق على قطاع الصحة والتعليم والنقل يقلل من سقوط الناس في براثن الفقر.
لقد اعتاد المسؤولين في الاردن عبارة كل شيء على ما يرام ولا داعي للقلق ، لكن هناك أسئلة كثيرة تُطرح ، والمؤكد أنه ما زال هناك كثير يجب أن يُقال ؟ هل لدينا في الاردن أنشطة اقتصادية لا يتم تسجيلها ضمن حسابات الناتج القومي الاجمالي مما يؤدي الى تضليل في المعلومات لانها تمارس بعيداً عن السجلات الرسمية ؟
ملاحظة : جميع المعلومات والبيانات متاحة في اطار دليل البنك الدولي للبيانات المفتوحة.