المهندس سليم البطاينه
أصبحت مهنة الكتابة في الشرق العربي خطيرة جداً ومحفوفة بالمخاطر كونها ( قول ورأي ) ! والسؤال : من يقرأ هذه الايام؟ وكيف نقرأ ؟ وهل بقي من يهتم بالقراءة ويقرأ ؟ الواضح أن القراءة لم تعد ضرورية ، ولم تعد حافزاً لدى المثقفين والمفكرين في الوطن العربي الذين تحول الجزء الاكبر منهم الى ادوات تطبيل ودعاية واعلان.
هناك كتابين من المنتجات الفكرية للكاتب والفيلسوف الراديكالي الفرنسي Guy Debord 1931-1994 هما : مجتمع الفُرجة ومجتمع الاستعراض.
جوهر هذين الكتابين يتلخص أن العالم تحول الى مجتمع فُرجة وصورة ! وأن التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية أنتجت عالماً مقلوباً رأساً على عقب ! إذ بدا ما هو حقيقي وواقعي فيه وهماً و زائفاً ! أي أنه مجتمع تمثيلي يتأثر بالجغرافيا النفسية ) .
المشهد في بلاد العرب هو وريث كل نقاط ضعف المشروع النهضوي العربي وواقعنا السياسي ليس سوى مسارح مفتوحة تقدّم كوميديا سوداء لواقع ممزق ، الصمت فيه غريب والكل غائب ينتظر التهجير نحو المجهول ، والحقيقة فيه هي لحظة الكذب التي تكمن في تفاصيلها آلاف الشياطين.
لقد دُجّنت الشعوب العربية ، وتحولت إلى مُستَقبلٍ فقط دون القدرة على الإرسال ، وبات التحدي الأكثر صخب للسياسات العربية هو الانتقال إلى مرحلة الى ما بعد الفرجة التي تحول بسببها العرب من باحثين عن الفرجة إلى مستهلكين للرداءة ! وهذا ما لخّصه بوقت مبكر الكاتب العربي محمد الماغوط والفنان السوري دريد لحام في مسرحية ( كاسك يا وطن ) عام ١٩٧٩ عندما خاطب دريد لحام والده المتوفي بعبارته الشهيرة ( الله وكيلك يا أبي صُرنا فُرجِة ومو ناقصنا الا شويّة كرامة ! ).
لابد لنا وعلى عجل البحث عن مصطلح جديد يصف حالتنا العربية بدقّة اكبر ! فما تحدث عنه المفكر الفرنسي ( جي ديبور ) في كتابيه يمكن إسقاطه بكل بساطة على بنية النظام العربي الذي أصبحت غالبية دوله تعتمد الاستعراض والصورة !
هناك فرق كبير بين الغرب والشرق ، في الغرب هناك عالم يُنتجُ رموزه ، أما في الشرق هناك عالم يبحث عن رموز ليتفرج عليها وقت ما يشاء ! ولا يسأل عنها بعد ذلك ،،، فـ حين يغيب العقل يحضر العبث ! وهذا العبث لا يمكن لنا فهمه إلا بإدراك مفهوم المؤشرات التي أمامنا ، لذا بالله عليكم دعونا لا نغالي في رفع سقف الطموحات الذي قد يزيد في حال سقوطه ، فـ الإفراط في التفاؤل قد يكون أحياناً أسوأ من الإغراق في اليأس.
فعلاً الزمن الذي نعيشه هو زمن الفُرجة الذي بدأ يأخذ أبعاداً مختلفة ، وجعل منا متفرجين أكثر ما نكون فاعلين ،،، حيث لا يمكن لمجتمع الفُرجة أن ينتج رموزاً ! فـ الإصلاح فيه حالة فردية كل يراه حسب حاجته ومن منظوره ! والمستقبل به كما قال عنه ذات مرّة الاديب العربي ( نجيب محفوظ ) هو للصورة أكثر منه للحرف ،،،، وهذا ما أكده الفيلسوف الفرنسي Règis Debray أن : من يملك الصورة يملك البلاد.
للأسف صار واقعنا العربي متاهة متداخلة قوامها الفُرجة و وسائطية الصور ! وأصبحت مجتمعاتنا تبحث عن الفُرجة وتصنعها من اللاشيء ! وربما يعود ذلك الى الهروب من واقع عَصِيْ على التغيير ، مليء بالمتناقضات المُخضبةُ بالخيبات.
إذاً الصورة في غاية الوضوح لسلوك التنويم المغناطيسي الذي تَغُطّ فيه المجتمعات العربية ،،، وما كتبه الفيلسوف الفرنسي ( جي ديبور – Guy Debord ) ذكره فيلسوف الانثروبولوجيا الالماني ( لودفيغ فويرباخ – Ludwig Feuerbach ) قبل مائة عام من ولادة ديبور في مقدمة كتابه ( من جوهر المسيحية ) الذي نُشر عام ١٨٤١ ، وإليكم نص المقدمة : لا شك أن عصرنا يمثل الصورة على الشيء ! والتمثيل على الواقع ! والمظهر على الوجود ! والنسخة على الأصل ! وما هو مقدس ليس سوى الوهم ! أما ما هو مُدنس فهو الحقيقة.