توج جلالة الملك عبدالله الثاني مسار وبناء الاقتصاد الوطني، برؤية التحديث الاقتصادي، لتكون “خارطة طريق”، في درب الأردن وهو يدخل مئوية تأسيسه الثانية، طارقاً أبواب المستقبل، وصولا للنمو المتسارع والاستدامة، وجودة الحياة.
وشكلت رؤية التحديث الاقتصادي إطارا عاما للخطط والأفكار والتوجهات على مستوى القرارات والسياسات الاقتصادية المتواصلة بالمملكة منذ أن تسلم جلالة الملك سلطاته الدستورية قبل 25 عاما، للوصول إلى اقتصاد مستدام وقادر على توليد فرص العمل من خلال استقطاب الاستثمارات.
وتحظى برامج رؤية التحديث الاقتصادي بمتابعة حثيثة من جلالة الملك، الضامن الأول للالتزام بتنفيذ مخرجاتها، وتشكل خططها المرتكز الأساسي لكتب التكليف للحكومات المتعاقبة، وبما يضمن الاستمرارية في الإنجاز للحكومات والمسؤولين دون إعادة صياغة الخطط والاستراتيجيات كلما حلت حكومة محل أخرى.
وحددت رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقت رسمياً منتصف عام 2022 مسيرة الاقتصاد الوطني خلال سنوات مقبلة، والتي ستكون “عابرة للحكومات” وتؤسس لأردن جديد ومزدهر، يستند على إرث كبير من الإنجازات التاريخية التي سطرها ابناء الوطن، ويمضي بكل ثقة على طريق الوفاء والبيعة.
وحرص جلالة الملك عبدالله الثاني في رسالته للأردنيين بمناسبة عيد ميلاده الستين على تجديد عملية الإصلاح الاقتصادي، مؤكداً “نريده مستقبلاً مشرقاً نعزز فيه أمننا واستقرارنا، ونمضي خلاله في مسيرة البناء إلى آفاق أوسع من التميز والإنجاز والإبداع”.
وقال جلالته في الرسالة ذاتها “نريـده مســتقبلاً نســتعيد فيــه صدارتنا في التعليـم، وننهـض فيـه باقتصادنـا، وتـزداد فيـه قـدرات قطاعنـا العـام وفاعليتـه، ويزدهـر فيـه قطاعنا الخـاص، فتزداد الفرص علـى مسـتوى متكافـئ، ونواجـه الفقـر والبطالـة بـكل عـزم، ونحـد مـن عـدم المسـاواة، وينطلـق شـبابنا الى آفـاق الريـادة والابتكار”.
ووجه جلالة الملك في رسالته إلى وضع رؤية جديدة للاقتصاد الوطني حتى عام 2033، تكون عابرة للحكومات، وبما يسهم باستكمال ما تم إنجازه على مدى سنوات ماضية، مع التركيز على تنويع الاقتصاد وتحريره ودمجه بالعالمية، ومنح القطاع الخاص دوراً أوسع في قيادته.
وأكد جلالته أن تحقيق الرؤية الشمولية يتطلب جهوداً مكثفة تبني على مواطن القوة وتعالج نقاط الضعف، في التخطيط والتنفيذ وبما يرفع سوية الأداء في مختلف القطاعات، ويوفر الفرص والخدمات لكل الأردنيين، ويضمن إطلاق الإمكانيات، لتحقيق النمو الشامل المستدام، الذي يكفل مضاعفة فرص العمل المتاحة، وتوسيع الطبقة الوسطى ورفع مستوى المعيشة لضمان نوعية حياة أفضل للمواطن.
وتستهدف رؤية التحديث الاقتصادي التي شارك في صياغتها القطاع الخاص بمختلف مكوناته، إطلاق الإمكانات لبناء المستقبل وسط تحدٍ هو الأكبر أمام الاقتصاد الوطني، يتمثل باستيعاب أكثر من مليون شاب وشابة في سوق العمل، وزيادة فرص العمل من 1.6 مليون فرصة إلى 2.6 مليون فرصة خلال السنوات المقبلة.
وترتكز الرؤية على النمو المتسارع والارتقاء بجودة الحياة في إطار نهج مستدام، وعبر ثمانية محركات لنمو الاقتصاد، تغطي 35 مـن القطاعات الرئيسـة والفرعية، وتتضمـن أكثر من 366 مبـادرة، و10معايير لقياس الأداء، و4 جهات مسؤولة عن التنفيذ ضمن إطار زمني متسلسل ومرحلي، وبتكلفة 41 مليار دينار.
وستنفّذ الرؤية على ثلاث مراحل: الأولى في الفترة ما بين الأعوام 2022 و2025، وستركز على إجراء تحسينات على السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والاستفادة من الموارد والمهارات الحالية وتعزيزها، والدخول إلى أسواق جديدة، والثانية 2026-2029، وستركز على الموارد والمنتجات والمهارات الجديدة، فيما تمتد الثالثة من 2030-2033، وتركز على ملء أي فجوات استراتيجية، والاستعداد لمرحلة النمو المستقبلية المتوقعة.
وقال رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية الدكتور إياد أبو حلتم، لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن رؤية التحديث الاقتصادي، من أهم ركائز تطور وتقدم الاقتصاد الأردني للسنوات المقبلة، كونها رسمت ملامح استراتيجية واضحة، ووضعت مستهدفات ومعايير وأطر عامة لبرامج تنفيذية محددة ومقرونة بالأرقام.
واعتبر أبو حلتم أن الرؤية من أهم المنجزات الاقتصادية التي تمت خلال السنوات الأخيرة، انطلاقاً من وعي جلالة الملك بالمتغيرات العالمية والإقليمية، والتطورات التقنية، التي تتطلب وضع أطر المرحلة الاقتصادية المقبلة، مشيرا إلى ما أكد عليه جلالة الملك، بالتركيز على الصناعات عالية القيمة والتقنيات المتقدمة، والإبداع والابتكار وإطلاق طاقات الشباب، والسياحة، والصناعات الزراعية والغذائية، ودعوته ليكون الأردن مركزاً للأمن الغذائي الاستراتيجي للمنطقة ككل.
وأضاف إن “جلالته ومن خلال الرؤية عبر بالأردن نحو توجه حديث وجديد يحاكي التطور في مختلف المجالات، وبما يضع الاقتصاد المحلي، في موقع تنافسي متقدم بين اقتصادات المنطقة، خاصة وأن الرؤية عابرة للحكومات، ما يعني استدامة السياسة الاقتصادية”.
ولفت إلى أن رؤية التحديث الاقتصادي ثبتت الاتجاه الاقتصادي نحو التقدم والتقنيات الحديثة، ولاسيما في القطاعات ذات القيمة العالية والمشغلة للعمالة الأردنية الماهرة، إضافة لتشجيع استقطاب استثمارات جديدة.
وأكد أبو حلتم العضو في مجلس ادراة غرفة صناعة عمان، أن ما يميز رؤية التحديث الاقتصادي وجود برنامج تنفيذي لها، ملزم (عابر للحكومات) عبر خطوات ومستهدفات واضحة ومحددة وقابلة للقياس.
من جهته، وصف مدير عام جمعية البنوك الدكتور ماهر المحروق رؤية التحديث الاقتصادي بأنها مشروع وطني ثابت يضع أركانا لسياسة عامة يعكس من خلالها توجهات المملكة للسير بالاقتصاد الوطني خلال السنوات المقبلة بعيدا عن تعدد الخطط والتسويف بالتنفيذ من قبل الحكومات.
وقال إن رؤية التحديث الاقتصادي تعد كذلك بمثابة تدشين لنهج اقتصادي جديد في التعاطي مع المشكلات الاقتصادية التي تكفل تحقيق النمو الشامل المستدام ضمن خطط عمل وبرامج واضحة للسنوات المقبلة.
وأضاف إن وجود رؤية التحديث اليوم تبعث برسائل تطمين للمستثمرين ومتخذي القرار التي من خلالها يستطيع معرفة توجهات البلاد بخصوص الشأن الاقتصادي، مبينا أن هذا امر في غاية الأهمية لزيادة قدرة المملكة على استقطاب المزيد من الاستثمارات وزيادة معدلات النمو الاقتصادي وتشغيل الأردنيين.
وقال إن رؤية التحديث الاقتصادي جاءت بعد اكثر من عقدين من تولي جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية، حيث شهدت تلك الفترة تحولات اقتصادية مهمة بمقدمتها توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع العديد من الدول، ما أسهم بشكل كبير في تطور الصادرات الأردنية، إضافة الى النهضة الكبيرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وأضاف ان جميع خطابات العرش السامي التي كان يفتتح بها جلالة الملك أعمال مجلس الامة تؤكد دائما أهمية الشراكة مع القطاع الخاص وتوجيه الحكومات للتعاون معه وتمكين بيئة الاعمال والاستثمار بالمملكة انطلاقا من قدرته، على المساهمة في مواجهة قضيتي الفقر والبطالة.
وأشار الى ان رؤية التحديث الاقتصادي تعكس اهمية الدور الاقتصادي الذي يقوم به القطاع الخاص في توفير المزيد من فرص العمل للأردنيين، لذلك كان هو من وضع الاسس والمعايير الرئيسية لهذه الرؤية حتى عام 2033 والتي ستكون مضامينها وأهدافها ثابتة وعابرة للحكومات.
بدوره، أكد نائب رئيس الجمعية الأردنية لريادة الأعمال، الدكتور بلال الوادي، أن المملكة تزدهر وتنمو على نحو متناغم ومتسارع لتقدّم نموذجاً فريداً من التحول الاستراتيجي الهادف إلى تمتين ازدهارها وتعزيز استدامة الاقتصاد الوطني.
وقال إن الرؤية الطموحة لجلالة الملك تجسدت بمستقبل سيشهده الأردنيون أكثر إشراقاً وتقدّماً نحو مملكة رائدة في مختلف المجالات، وهذا الاهتمام الشخصي والمتابعة الحثيثة لجلالته سيجعل المملكة أكثر تنافسية، ومؤشراتها الاقتصادية أكثر تصاعدية.
وأضاف إن “رؤية التحديث الاقتصادي تتوافق مع أهداف التنمية المستدامة، وأبعادها وممكّناتها وترتكز على الاقتصاد المعرفي والأخضر، لتعزيز مكتسبات الوطن وتسعى لاستثمار مكامن قوّتنا التي حبانا الله بها، من موقع استراتيجي متميز، وقوة استثمارية رائدة، وعمق عربي وإسلامي”.
وأشار الوادي إلى أن جلالته يولي كل الاهتمام، ويسخّر كل الإمكانات، لتحقيق طموحات الأردنيين من خلال إعادة تشكيل الاقتصاد ورسم هويته، معتبراً أن رؤية التحديث الاقتصادي إنجاز مشرف، ستعمل على دمج اقتصاد المملكة بالاقتصاد العالمي، والوصول لمستهدفاتها يعني الاستدامة للاقتصاد الوطني ليكون أكثر جاذبية.