لما يزيد عن خمسة شهور تتواصل الحرب في غزة أمام أشهاد المجتمع الدولي دونما أيّ تحرك دولي يغير واقعاً، ليس فقط على الصعيد الإنساني الكارثي بل وعلى صعيد حفظ السلم العالمي وايجاد أفق لحل سياسي يحقن الدماء و ينصف الانسانية ومواثيقها الدولية، لتنذر – أي الحرب – باعتباراتها السياسية وأبعادها الجيوسياسية والاستراتيجية المعلنة و غيرالمعلنة ، بما هو أبعد من قطاع غزة و بما يستثمر في استمرار الحرب للبناء على الوضع الراهن في القطاع، و ما يمكن أن يرتبط به في الضفة الغربية والقدس تحديداً، فيما تتواصل التوترات والاقتحامات وأشكال التقسيم المكاني و الزماني و تبعاتها التي لطالما حذر الاردن من انفجارها في أي وقت.
تبرهن هذه المدة أن الحلول العسكرية لم ولن تجدي نفعاً في غياب أفق حل سياسي عادل و واضح، وأن حتى الانتظار الى أن تفرض الحلول الديموغرافية أوغيرها واقعها هو ضرب ستدفع ثمنه أجيال الأبرياء وحدهم من حياتهم و امانهم و مستقبلهم، و أن دوامة هذا العنف لن تقتصر على المنطقة.
في خضم كل السيناريوهات المطروحة اليوم، يضرب الغزيين العزل نموذج وعي سياسي متقدم بتمسكهم بأرضهم، ذلك أن تبعات النكسة والنكبة والمخيمات ومجتمعات الشتات في دول العالم ما تزال حاضرة و شاهدة، ففي داخل القطاع تتلاشى مقومات العيش الاساسية، لتؤدي كل الطرق هناك الى الموت أو لربما تمنحهم خيارات أخرى -عائمة- خارجه.
يكمل الأردن مشواره بخطى ثابتة في دعم الأشقاء في غزة، لم يألو جهداً منذ أحداث السابع من أكتوبر بكافة السبل الممكنة والمتاحة، السياسية والدبلوماسية والانسانية والقانونية -رغم كل التحديات- فنشهد آخرها استثمار حكمة السياسة الاردنية بقيادة جلالة الملك لتنفيذ الانزالات الجوية الاغاثية وما تحمله من رسالة للاشقاء في غزة و العالم ببعديها الانساني والسياسي مؤكدين الوقوف الى جانب الأشقاء في غزة وتوحيد بوصلة العالم بأسره لنصرة الانسانية.
أما على الساحة الداخلية، فقد باتت مشاركتنا السياسية كمواطنين استحقاقاً وطنياً و أمانة في عنق كل واحد فينا لتعزيز جوانب قوة الوطن وتجاوز أية حالة تشكك أوتردد، في مرحلة سياسية دقيقة نعي معها التحديات السياسية والاقتصادية و ما يرتبط بها من حولنا في المنطقة والعالم.
فالمواطن هو محور العملية السياسية و جوهرها، وعن الاستحقاق الدستوري القادم فإن المشاركة السياسية الفاعلة كناخبين أو كمرشحين حزبيين أو كمرشحين مستقلين هو استجابة لوعينا السياسي و ايماننا الراسخ بأهمية ممارسة دورنا السياسي النابع من مواطنتنا على اختلاف انتماءاتنا السياسية التي تجمعنا و تقوينا في خندق الوطن و على خدمة مصالح الاردن الوطنية العليا من خلال ترسيخ المسيرة السياسية التحديثية التي أرسى قواعدها جلالة الملك “المحدث” ، ففي التعددية قوة ومنافسة على البذل في سبيل الوطن.. عملاً لا قولاً،
كمواطنين.. الكرة بملعبنا الآن، و إنّ تعزيز دورنا في المشاركة السياسية الفاعلة، نساء و رجال وشباب و ذوي إعاقة في حقبة جديدة من تطور النظام السياسي الديمقراطي نحو الحزبية البرامجية بالادوات و الاساليب الديمقراطية اللازمة، هي مسؤوليتنا نحن، فالمواطن هو أصلها و جوهرها، مدركين أن المشاركة السياسية في الانتخابات المقبلة ليست نهاية المطاف بل أول الطريق،
وإنّ افراز مجلس نواب قويّ يمثل الارادة الشعبية والطموح الوطني الخالص عبر صناديق الاقتراع في هذه الأوضاع السياسية الدقيقة بات ضرورة وطنية و مصلحة قومية عُليا للدولة الاردنية، يأبى انتمائنا الوطني إلّا أن نستجيب لها ،،
ولنتذكر أنّ التاريخ يكتُبه المُنتَصر..