شهدت المتاحف في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، نهضة شاملة وتطورا كبيرا، حتى أصبحت منارات ثقافية تعكس الحضارة والتراث الوطني الأردني، وتجسد رؤية جلالة الملك الطموحة لجعل المتاحف مؤسسات تساهم في إثراء المجتمع ثقافيا ومعرفيا، وتكوين جسور للتواصل الحضاري بين الشعوب.
واستطاع الأردن في أعوام القرن الجديد تدشين سلسلة من المتاحف، فاقت عدد ما تم إنجازه خلال العقود السابقة كافة، ولا سيما وأنها انتقلت إلى مرحلة متطورة في البنى التحتية، وفي التخصصية والابتكارية، وفي الانتشار الجغرافي في أنحاء المملكة، حيث تطور عدد المتاحف من 28 متحفا عام 1999 إلى 68 متحفا في نهاية عام 2023.
وتروي هذه المتاحف قصة الأردن، وتحرس تراثه وتسهم في ربط الأجيال بتاريخ الوطن، وتعد اليوم مقصدا للحركة السياحية وعنصرا مهما في إثراء تجربة السائح، حيث أصبحت أكثر تنوعا ومعاصرة وتمتلك بنى تحتية وإمكانيات كبيرة، ومنها متاحف مبتكرة لا يوجد مثيل لها في المنطقة.
وتشمل المتاحف الأردنية اليوم: متاحف الآثار والتراث، والمتاحف الثقافية التي تعرض الملامح الثقافية والفلكلورية الوطنية، والمتاحف العسكرية، ومتاحف الفنون، والمتاحف السياسية والتاريخية، ومتاحف المسكوكات والنقد، والمتاحف الدينية، والمتاحف المتخصصة في العلوم، والمتاحف التعليمية.
وفي حديثه عن متاحف الآثار والتراث، قال مدير عام دائرة الآثار العامة الدكتور فادي بلعاوي، “مستمرون في دائرة الآثار العامة بالعمل والإنجاز والتطوير والتحديث ضمن أعلى المعايير، وحسب توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، مستمدين العزم والقوة والثبات من متابعة واهتمام جلالته المستمر ودعمه للقطاعين الأثري والسياحي في المملكة”.
وأضاف أن المتاحف تشكل سجلا حيا لما تعاقب على الأرض من حضارات وثقافات، وإذ كان للمتاحف دور لتقديم هذا السجل، فإنها أيضا تمثل ذاكرة للشعوب الحية، لافتًا إلى دور الدائرة بالحفاظ على هذه الذاكرة وتقديمها بأفضل حال.
وتابع الدكتور بلعاوي: “تلعب المتاحف دورا هاما في المجتمع كونها مركزا ثقافيا وعلميا وتربويا وتعليميا وترفيهيا، وذلك من خلال ما تمثله من أهمية كبيرة في عرض مختلف جوانب الحياة عبر التاريخ، وبالتالي فالمتاحف تعتبر أحد المكونات الرئيسية للهوية الثقافية للمجتمع، ناهيك عن كونها تمثل ارتباط المواطن بتاريخه وإرثه وهويته وحضارته بما تعرضه من موجودات وممتلكات أثرية وتراثية تساهم بجذب الزوار من جميع أنحاء العالم للاطلاع على الهوية الثقافية المحلية”.
وأضاف “وضعنا في دائرة الآثار العامة نصب أعيننا عدة أهداف استراتيجية من أهمها الاهتمام بالمتاحف ومحتوياتها من إرث عظيم والعناية بها، وتقديمها بطريقة تسهم في تفسير القيمة العظيمة التي نراها في آثارنا الملموسة المنقول منها وغير المنقول، كذلك إظهار ما تمثله مقتنيات هذه المتاحف من دور بشري عبر العصور والتي تسرد تاريخ إنجازات الإنسان وإبداعاته في التعامل مع أخيه الإنسان ومع البيئة والظروف المحيطة”.
وبين الدكتور بلعاوي، “أن المتاحف في دورها الحديث مؤسسة تتوسع مجتمعيا، ووسيلة مهمة للتبادل الثقافي وإثراء الثقافات وتنمية التفاهم المتبادل والتعاون والسلام بين الشعوب، وعلينا جميعا كأردنيين أن نفخر ونعتز بهذا الوطن الشامخ وبالحضارات التي تعاقبت”، مؤكدًا أن للمتاحف دورًا هامًا في بناء جسور التواصل مع الآخر، وحمل رسالة ثقافية وتعريف العالم بما يمتلكه الأردن من مقومات إنسانية وثقافية.
ونوه، أن عدد المتاحف التابعة لدائرة الآثار العامة 18 متحفا موزعة على معظم محافظات المملكة منها 15 متحفا أثريا وثلاثة متاحف تراثية، موضحا أن المتاحف التي أنشئت في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني 7 متاحف، كما جرى في عهد جلالته تأهيل وإعادة افتتاح 5 متاحف أخرى.
ولفت الدكتور بلعاوي، إلى أن عدد المتاحف التي تعمل الدائرة على تطويرها وتأهيلها وإعادة افتتاحها خلال هذه الفترة 9 متاحف، حيث تشمل عمليات التطوير والتأهيل والبنية التحتية وأسلوب العرض وكل الأمور الفنية، وذلك ضمن المواصفات الدولية في إدارة المتاحف، مبينا أن الدائرة رصدت مخصصات مالية للعمل على إنشاء متاحف جديدة منها متحف في محافظة الطفيلة ومتحف إقليمي في محافظة مأدبا.
وأكد، أن دائرة الآثار العامة تعمل على وضع خطط دائمة ومستمرة لإحداث التغيير الجوهري في المتاحف وطريقة تأديتها لرسالتها المميزة في المملكة وتعزيز دورها والارتقاء بها إلى أفضل المستويات والممارسات العالمية.
وتابع الدكتور بلعاوي: ” تعمل الدائرة على صياغة ما يسمى بالقصة المتحفية جنبا إلى جنب مع السردية التاريخية للمواقع الأثرية، وذلك ضمن دراسات تاريخية وأثرية موثقة، تبرز أهم محطات البناء والحياة في الأردن عبر العصور، كما قامت الدائرة بمناسبة مرور مئة عام على تأسيسها بإصدار دليل المتاحف في المملكة”.
ومن أبرز المتاحف التي شيدت منذ عام 1999:
*متحف الأردن: افتتحه الملك عبد الله الثاني عام 2013، وهو متحف الآثار الوطني، وأكبر متحف في الأردن، وقد شيد على مساحة 10 آلاف متر، وتعرض قاعاته حوالي 1.5 مليون سنة من تاريخ الإنسان على أرض الأردن، من العصر الحجري القديم حتى الزمن الحاضر.
*متحف البترا : وضع جلالة الملك عبدالله الثاني حجر الأساس للمتحف عام 2014، وافتتحه سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ولي العهد في عام 2019، ويقدم المتحف ما لا تراه في محمية البترا الأثرية، وهو المكان الذي يمكن التعرف فيه على منطقة بترا من العصور الحجرية حتى العصر الحالي، ويعرض المتحف مجموعات مختارة من القطع الأثرية المكتشفة في بترا ومحيطها، إضافة إلى شاشات تفاعلية تعرض تاريخ المنطقة وأفلام تتضمن تصورات عن الماضي، ونماذج بنيت داخل المتحف بالحجم الطبيعي، ويستند العرض بمجمله على الأبحاث الحديثة في تاريخ وآثار وتراث المنطقة.
*متحف آثار دار السرايا: استملكت دائرة الآثار العامة المبنى عام 1994، وبدأت عملية تحويله ليصبح ما هو عليه الآن وافتتاحه كمتحف أثري عام 2007، ويشكل المتحف إطلالة على فن العمارة العثمانية وحكاية التراث والتاريخ، يقع في الطرف الجنوبي لتل إربد ويعود تاريخه إلى الفترة العثمانية القرن التاسع عشر الميلادي.
*متحف آثار أم الجمال: افتتح في عام 2019، بعد أن قامت دائرة الآثار العامة عامي 2012 و 2018 بإعادة بناء المبنى الحالي على بقايا مبنى من العصر الأموي بأسلوب مماثل للمباني الإسلامية الأثرية والتراثية في موقع أم الجمال الأثري، يحكي المتحف قصة مدن تخوم الصحراء وقدرة إنسان أم الجمال على تطوير وتطويع البيئة المحيطة لاحتياجاته من عمارة وفنون ونقوش، يقع المتحف في محافظة المفرق، ويضم عددا من النقوش القديمة التي عثر عليها في منطقة أم الجمال، كما يعرض لوحات تفسيرية عن المدينة والتطور التاريخي لها، فضلًا عن وجود حديقة النقوش القديمة ومنها النبطية واليونانية.
*متحف فينان الأثري: أُنشئ المتحف عام 2018، ويقع في وادي فينان إلى الجنوب من البحر الميت بمسافة حوالي 120 كيلو متراً، في الواجهة الجنوبية الغربية لمحمية ضانا، يحكي المتحف قصة الإنسان والطبيعة وكيف طور وسائله البدائية ليشكل الصوان ويعدن النحاس.
*متحف أخفض مكان على سطح الأرض: يقع المتحف شمال منطقة غور الصافي وترجع فكرة تأسيسه إلى عام 1996 وذلك أثناء العمل في الحفريات الأثرية في موقع دير عين عباطة كهف النبي لوط والذي ارتبط بذكره، وافتتح المتحف عام 2012 من قبل دائرة الآثار العامة، ويعرض متحف أخفض مكان مجموعة مختارة من أهم القطع التي تعبر عن تطور إنسان هذه المنطقة من أدوات وصناعات ونقوش ليشكل رسم لتطور الحضارة التي صنعها إنسان البحر الميت.
*متحف آثار قصر الحلابات: يقع المتحف ضمن حرم قصر الحلابات الأثري، وتحديدا داخل مركز زوار القصر، يعرض المتحف اللقى الأثرية المكتشفة من أعمال التنقيب الأثري التي بدأت في موسم 2002 في موقع الحلابات الأثري فقط، وتزامن افتتاحه مع افتتاح مركز الزوار عام 2012، ويقدم المتحف قصة القصور الصحراوية، فعند زيارة متحف الحلابات سيصبح الزائر شاهدا على هذا الإرث الحضاري الذي مزج بين حياة البادية وأنماط العمارة والسياسة خلال حكم الأمويين.
*متحف آثار الطفيلة، أنشئ عام 2023، يقدم متحف الطفيلة نافذة تعبر بك عبر الزمان إلى الإبداع الذي أبصرته أعينهم وشكلته أيديهم من منحوتات وتماثيل ومشغولات، يقع المتحف في وسط مدينة الطفيلة بالقرب من قلعة الطفيلة.
*متحف اللاهون الأثري، تم افتتاحه عام 2023 يحتوي على 118 قطعة أثرية تؤرخ للعصرين البرونزي والحديدي المتأخر إضافة إلى قطع من الحلي والأساور المعدنية والقلائد، ويحتوي على ثلاث قطع نبطية من حجر الألباستر.
*متحف السيارات الملكي: هو أول متحف للسيارات في الوطن العربي، افتتحه الملك عبد الله الثاني عام 2003، وهو بمثابة تكريم للملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه، يضم المتحف 80 سيارة ودراجة نارية للملك الراحل يعود بعضها إلى عام 1909، وتروي كل منها قصة فريدة.
*متحف الدبابات الملكي افتتحه الملك عبد الله الثاني عام 2018 في منطقة المقابلين، ويضم حوالي 110 من الدبابات والآليات المدرعة الأردنية والعالمية كان لبعضها دور في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي.
*متحف الكتاب المدرسي: افتتح مبناه الدائم عام 2008، وهو الأول من نوعه في الوطن العربي. ويعدّ المتحف بموقعه المميز في مدرسة السلط الثانوية للبنين، معرضاً تربوياً يحكي قصة تاريخ الأردن وثقافته، ويعرض المناهج التي درست في الأردن وفلسطين على مدى قرن من الزمان.
*متحف الحياة البرلمانية: افتُتح عام 2016 في مبنى البرلمان القديم، وهو يتكون من ثلاثة أجزاء: الوسط ويضم قاعة البرلمان، والجناح الأيمن الذي يتكون من قاعات العرض التي تروي قصة الحياة البرلمانية، والجناح الأيسر ويضم مكتبي رئيسي مجلسي الأعيان والنواب وقاعة التشريفات.
*متحف البنك الأهلي للنميات: افتُتح عام 1999، وهو يقتني أكثر من 40 ألف نمية، وتغطي مجاميعه فترة زمنية تزيد عن 2500 عام، ويعود تاريخ أقدم مسكوكة فيه إلى 600 عام قبل الميلاد، أما أحدثها فيشمل الإصدارات التذكارية الحديثة، ويمتلك المتحف واحدة من أفضل المجاميع النحاسية الأموية في العالم.
*المتحف العسكري تحت الماء أُعلن عن هذا المتحف عام 2019، ويعد ابتكاراً متحفياً على مستوى العالم، إذ أُغرقت مجموعة من القطع العسكرية في خليج العقبة وسط الشعاب المرجانية.
*صرح الشهيد: يُبرز الصرح الوجه التاريخي والحضاري للأردن والقيادة الهاشمية ومراحل تطور القوات المسلحة الأردنية ودور شهداء الوطن وتضحياتهم، وشهد الصرح الذي أنشئ عام 1977 عملية تحديث في عهد الملك عبدالله الثاني، وأعيد افتتاحه في 12 كانون الأول 2016 بمراسم عسكرية مهيبة لنقل رفات أحد شهداء الجيش العربي في معارك القدس إلى قاعة المثوى بالصرح.
*متحف الكرامة (قاعة الإعلام العسكري) : يوثق المتحف الذي افتتح بتاريخ 21 آذار 2018، تاريخ معركة الكرامة وبعض الأسلحة التي شاركت فيها وهو يقع في صرح الكرامة (الجندي المجهول)، ويحتوي على مدافع وآليات عسكرية، منها ما غنمه الأردن في المعركة، بالإضافة إلى صور تاريخية للمعركة وشهدائها الذين ارتقوا لجوار ربهم عن ثرى الوطن.
كما شُيّدت مجموعة أخرى من المتاحف خلال هذه الفترة، منها: متحف الخط الحديدي الحجازي، ومتحف دارة الشهيد وصفي التل، ومتحف المشير حابس المجالي، والمتحف البيئي التعليمي في منطقة أم القطين، ومتحف زيوس في جرش، ومتحف المسكوكات في جامعة اليرموك، ومتحف الأمن العام في الأزرق، ومتحف الحكاية التراثية في مأدبا، ومتحف صرح شهداء الجيش العربي في الشمال.