ليس هناك من لا يتمنى أن تصّح توقعاته، و لننكش الذاكرة كي لا ننسى ! بتاريخ ٢٠٢٣/١/١٥ ( قبل سنة وثمانية أشهر ) كتبتُ مقالاً تم نشره في صحيفة رأي اليوم اللندنية وفي الصحيفة الأمريكية Geostrategic Media باللغة الإنجليزية كان عنوانه الرئيس : ( المشهد السياسي الأردني يُعدل نفسه ! والإخوان المسلمون جزء من اللعبة السياسية القادمة ).
هنا قد يكون من المهم التمييز بين الحق في الفعل السياسي، وبين الحكمة السياسية منه ! فـ أحياناً كثيرة يبحث السؤال عما خلف الصورة أو الخبر ! رغم أنه حتى اللحظة لم يتم فتح باب الاسئلة المُركبة ؟ لكن عاجلاً أم آجلاً ستطفو على السطح.
يبدو أن الاستدارة السياسية هذه المرة لها دوافعها ! والبحث في تحليل الأحداث الكبرى يتطلب معرفة اللعبة السياسية المقبلة ! والتي يجب بشتى الطرق أن تبقى محلية الصُنع خوفاً من معاكسة التيارات.
عودة الى عنوان المقال أعلاه ومصطلح ( فتح غطاء الطنجرة ) ! ذلك المصطلح الذي قاله الراحل الكبير الملك الحسين بن طلال مباشرة بعد أحداث هبة نيسان عام ١٩٨٩ والتي أدت الى عودة الحياة السياسية والنيابية في الأردن والى القيام بإصلاحات جذرية ( سياسية واقتصادية واجتماعية )، وعلى أثرها تم إجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة شبيهة نوعاً ما بالانتخابات البرلمانية الأخيرة قبل أسبوعين.
المؤسف أننا لا زلنا في الأردن وحتى اللحظة حبيسي الثنائية الذهنية ضمن انشطارية ( إما معنا أو ضدنا !! ) وما زال قاموس الفكر السياسي الأردني عاجزاً عن تعريف معنى المعارضة السياسية ضمن النسق السياسي الأردني ! وما زال التصور الكلي بين الدولة ومن يعارضها هو التقاطع في كافة المسارات.
النقد مطلوب لتوجيه بوصلة السياسة، والأسئلة لا تنطفىء، والمرحلة لا تحتمل المجاملة ! والعقل السياسي الأردني مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى
بإعادة صياغة رؤية ووعي جديد لمفهوم الاستقرار ! يَنتُجُ من خلال إرادة وتدابير سياسية تقوم على استعادة الثقة المفقودة منذ سنوات طويلة،،،، فأي عملية بناء أو إصلاح لا يمكن أن تُقاس بمنطق شطط الارتجال السياسي أو العاطفي.
فنحن على أبواب مرحلة مختلفة من أي مراحل سابقة، بدأت للتو يكتنفها قدر كبير من الغموض ! ستُلقي بظلالها على المرحلة المقبلة ! والتي أقل ما يمكن ان يقال عنها أنها سيئة ومفتوحة على كثير من الاحتمالات !
صعب جداً ان يتوقع احد ما سيأتي به الغد للأردنيين ! وماذا يخبىء المستقبل لهم ! وإذا تعمقنا كثيراً في قراءة ما حصل منذ سنوات عجاف طويلة، فإن التقيم ينتهي الى نتيجة مفادها أننا فشلنا في الأردن في بناء نظام قوي للمناعة الوطنية،،، نتيجة مساهمة الكثيرين عبر سنوات في تكريس وفرض اللاشيء مقابل كل شيء ! الأمر الذي أدى إلى تجريف السياسة وانكماشها والى غياب رجل الدولة.
الأوضاع الداخلية معقدة و مأزومة ! و مشهد الانهيار الاقتصادي يعج بالأدلة والشواهد ! والغضب الشعبي مكتوم وغير مرئي ! وعند أخذ عينة من كتابات وتعليقات الأردنيين وسلوكهم في وسائل التواصل الاجتماعي يظهر أنهم غاضبون بلا حدود، فغالبية المحللين والدارسين و المثرثرين بغباء والصامتين بذكاء باتوا أكثر حذراً ويقظة لما هو آت !
المسألة تتطلب رشد وجدارة سياسية لإعادة ترتيب الأوراق والملفات من جديد ! فـ التصويت في الانتخابات الاخيرة لم يكن اسلامياً ! بل كان تعبيراً عن كمية الغضب الشعبي المتراكم نتيجة ما حدث في غزة ويحدث الآن في الضفة الغربية.
الفرق كبير بين سياسات الخوف وسياسات الحذر، والزمن حان أكثر من أي وقت مضى، ففي كل لعبة توجد قواعد وتقاليد ! والحديث هنا بلا حرجً ! والنصيحة لحزب جبهة العمل الإسلامي بترشيد الخطاب وضبط الصخب الذي ينطوي على تسرع كبير وجهل عميق بمقتضيات المرحلة القادمة ! والسيطرة على الانفعالات والتحكم في شطط الشعارات الذي تجاوز كل الحدود ! فالرسائل السياسية الاردنية التي أرسلت للخارج والداخل الأردني بعد الانتخابات الاخيرة أن الإخوان المسلمين ليسوا أعداء النظام، وان الأردن ليست مصر أو الإمارات.
فهل يفطن الإخوان المسلمون الى خطورة المنزلق وسوء المنقلب ؟ الإجابة بالتأكيد عند حكماء حزب جبهة العمل الإسلامي.