المهندس سليم البطاينه
هل لك ان تتخيل أننا تخطينا المئوية الأولى من عمر الدولة ولا يوجد لدينا شبكة قطارات تربط المدن أو حتى مترو داخل العاصمة والمدن الكبرى ،،، وعلى الرغم من أهمية ملف النقل العام في الأردن كون إرتباطه وثيقاً بغالبية شرائح المجتمع ! إلا أن تطويره بات عُقدة مستعصية كونه لا يزال يدار بالوكالة ! والسبب هو المنفعة المتأتية من ضريبة المحروقات.
محزنٌ جداً أن يكون هذا حال وسائل النقل العام في الاردن بعد مرور مائة عام من عمر الدولة ! ومُخجلٌ أن ننشغل بحرب الشوارع والازدحامات المرورية الخانقة التي تكبل شوارعنا يومياً بسبب كتل الحديد وعلب السردين المتحركة التي تكتسح الطرقات ! ناهيك عن قلة أماكن الاصطفاف وغياب مسارب المشاة التي سيطرت عليها المحال التجارية ومعارض بيع السيارات والملابس وبسطات الخضار والفواكه بإحتلالها للأرصفة وجنبات الطرق.
ما نعيشه من مشاكل يومية بفعل الازدحامات المرورية وفوضى الشوارع يجب أن ينتهي ، لأنه مأساة يغرق فيها الأردنيون بشكل يومي … فما عادت مسافة الطريق داخل المدن الرئيسية تُقاس بالكيلومترات ! وإنما بالوقت والوقود ! وبعض المسافات التي لم تكن تستغرق دقائق معدودة أصبحت تحتاج إلى أربعون دقيقة ،، مستنزفة الوقت واستثارة الأعصاب.
ان تدني مستوى خدمات النقل العام وارتفاع أجور النقل ساهم في إقصاء الكثير من الفئات عن المساهمة الاقتصادية خصوصاً المرأة ! الأمر الذي أدى الى زيادة ملكية المركبات التي فاقمت المشكلة ،، وهو ما انعكس على ارتفاع استهلاك المحروقات وزيادة حوادث السير والتلوث البيئي.
بين يدي دراسة أعدّها البنك الدولي في حزيران ٢٠٢٢ ، عنوانها الرئيس : ( الدراسة التشخيصية والتوصيات الخاصة بالنقل العام في الأردن ) ،،، تقول الدراسة ؛
- ان تقديرات البنك الدولي عن حجم الخسائر التي يتكبّدها الأردن نتيجة ضعف منظومة النقل العام لديه تقدر بنحو ( ٦،٩٪ ) من اجمالي الناتج المحلي أي ( ٣ مليارات دولار /سنوياً ).
مفصّلة كالاتي:
- مليارين دولار هدر للوقود
- ٤٢٠ مليون دولار تدهور بيئي
- ٤٠٠ مليون دولار نتيجة حوادث السير والإصابات والوفيات على الطرق.
-
وان الأسر الأردنية تُنفق حوالي ١٧٪ من دخلها على النقل لعدم توفر وسائل نقل مريحة وآمنة.
-
وأن الرحلات طويلة ومكلفة ،، ومتوسط رحلات الذهاب والإياب يقدر بحوالي ساعتين ونصف.
-
كما أشارت الدراسة ان عدد السيارات في ألاردن يتضاعف يوماً بعد يوم بمعدل ٨-٩٪ ،،، وملكية السيارات باتت من أعلى النسب عالمياً ! وزيادة عدد المركبات أدى عملياً الى زيادة الطلب على المحروقات بنحو ٤،٩٪ سنوياً نتيجة دخول مئات الآلاف من السيارات سنوياً.
-
وأنتهت الدراسة بالقول بأن منظومة النقل الحالية المترهلة لا تلبي أكثر من ١٥٪ من احتياجات السكان !
سأجيب على سؤال : ماذا يعني وجود سكك حديدية في الأردن تربط المدن ببعضها البعض ؟ أو مترو داخل بعض المدن الرئيسية الكبيرة ؟
- يعني الاستغناء عن أكثر من ٤٠٪ من السيارات الخاصة ، ويُشجع أكثر من ٤٠٠ آلف مواطن على الاستغناء عن مركباتهم.
-
يحدث ثورة اقتصادية في نقل البضائع من حيث كلفة الوقود المستخدم إذا ما قورن بكلفته بالشاحنات.
-
ويُسهم في حل كثير من مشاكل البطالة ،، ويُحرك الأسواق كاملة ،، حيث تمكن القطارات الشباب من التحرك إلى أي منطقة داخل الأردن وبوقت قياسي ،، خصوصاً الذين يحصلون على الحد الادنى من الأجور ، ويعملون في القطاع الخاص.
على فرض بدأت الحكومة الحالية بوضع خطط واستراتيجيات لتطوير قطاع النقل العام بشكل حقيقي وصحيح : ما الذي يتوجب فعله قبل كل ذلك ؟ بالتأكيد يجب ان يسبقه إصلاحات قطاعات مهمة أهمها قطاع الطاقة الذي يُعد عاملاً رئيسياً في أرتفاع كلف النقل ! وهذا الموضوع تحديداً يذكرني بما قالته وزيرة الطاقة هاله زواتي قبل خمس سنوات: ان لدينا في الأردن فائض بالقدرة التوليدية ! وسؤالي للحكومة ما دام لدينا فائض : لماذا لا نقوم بإنشاء سكك حديدية أو مترو باستدراج عروض استثمارية دولية كما هو معمول فيه في غالبية دول العالم ؟
ماذا بعد ؟ وهل هناك بعد ! وهل دار لقمان ستبقى على حالها متصدعة مشروخة ؟ يكفي ما ضاع من عمرنا بمكافيلية صارخة ! أرهقتنا الاصفار وطال الانتظار ! وليس مطلوب منا أن نعيد ونكرر الكتابة في أسباب الحصيلة الصفرية لملف من أهم الملفات !