منتدى الاستراتيجيات الأردني: أين الخلل في النظام الضريبي في الأردن؟
الأردن اليوم – دعا منتدى الاستراتيجيات الأردني جميع أصحاب الشأن والعلاقة أن يقوموا بتبني رؤية جماعية موحدة حول النظام الضريبي في الأردن، وهي أن الهدف المرجو من تبني أي قانون جديد للضريبة هو تحقيق نمو اقتصادي قوي، والتقليص من “عدم المساواة” (في الدخل والفرص)، والمساهمة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المستوى الكلي، وكذلك تحسين العديد من الظروف الاجتماعية والاقتصادية الأخرى. جاء ذلك في دراسة أصدرها المنتدى بعنوان ” قانون ضريبة الدخل: الحاجة لرؤية جديدة”
وتأتي هذه الدراسة التي أصدرها المنتدى في ظل حالة الترقب والانتظار لقانون الضريبة المنوي طرحه على مجلس النواب منتصف أيار المقبل. وقال منتدى الاستراتيجيات الأردني أن هذه الدراسة هي جزء من الجهود التي يبذلها في سبيل تقديم الرأي العلمي لأصحاب القرار والمعنيين، ونشر الوعي والمعلومة الصحيحة بين المواطنين. حيث يهدف منتدى الاستراتيجيات الأردني للمساهمة والتأثير بما يحقق التنمية الاقتصادية الشاملة في الأردن والازدهار للمواطن الأردني.
وأوصى منتدى الاستراتيجيات الأردني في الدراسة بضرورة تبني قانون ضريبة شفاف وعادل وفعال وعصري وذي خصائص نافعة للاقتصاد الوطني، حيث ذكر المنتدى في الدراسة أن أي نظام ضريبي يجب أن يؤدي لتحقيق موارد كافية للحكومة بحيث يمكنها من زيادة جهودها التنموية. وأوضح المنتدى، أنه إذا فشل النظام الضريبي في تحقيق موارد مالية كافية للحكومة فلن يكون أمام الحكومة خيار سوى تمويل عجزها من خلال اللجوء إلى الدين وهو ما لا نرغب في استمراره في الأردن.
وأكد المنتدى ضرورة وجود لدى الحكومة مؤشرات أداء رئيسية توجهها لتحقيق النتائج المُثلى، وذلك من حيث عدة أمور مثل: الانفاق العام الجاري وكيفية الحفاظ عليه عند مستويات منطقية ومبررة. وأيضاً، وضع مؤشرات أداء تضبط وتوجه زيادة الانفاق العام الرأسمالي على الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة وان تكون مقدمة بكفاءة وكفاية. كما ويجب أن تكون الموازنة الموجهة بالنتائج أداة رئيسية وأمر مسلم به في عمليتي التقييم والتخطيط للسياسة المالية للحكومة.
وأشار المنتدى في دراسته أن الدخل الضريبي نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي منخفض مقارنةً بدول العالم، حيث يبلغ في الأردن (15.5%) من الناتج المحلي الإجمالي، بالمقابل فإنه يبلغ في الدنمارك (45.8%)، وفرنسا (28.6%) واليابان (22.1%) وفي تركيا (18.2%). وأضاف أنه وبالاضافة لذلك فإن مكونات الإيرادات الضريبية في الأردن تُساهم بنسب متفاوتة في دفع الضرائب وبشكل كبير جداً تصدرتها ضريبة المبيعات وبنسبة 69% من اجمالي الإيرادات الضريبية لعام 2017.
كما أوصى منتدى الاستراتيجيات الأردني بضرورة الالتفات إلى نسبة المساهمة المتواضعة والمحدودة جداً لقطاع المهنيين والحرفيين والشركات المتوسطة والصغيرة في الإيرادات الضريبية التي تحصلها الحكومة، حيث أوضح المنتدى أن ما يدفعه هذا القطاع من ضرائب لا يُشكل إلا (0.27%) من الناتج المحلي الإجمالي؛ وهي نسبة منخفضة جداً مقارنةً بالقطاعات الأخرى!! ودعا منتدى الاستراتيجيات الأردني إلى ضرورة إنفاذ سياسة تحصيل قوية وفعالة وتساهم في زيادة الامتثال الضريبي. إذ أشار المنتدى إلى أنه إذا ما تمت زيادة نسبة الإيرادات الضريبية المُحصلة من هذه الفئة من (0.27%) إلى (3.00%) من الناتج المحلي الإجمالي( وذلك أسوة بهذه النسب في دول العالم)؛ فإن هذا سيؤدي إلى أن تحصل الخزينة ما يعادل 770 مليون دينار سنوياً، وهذا المبلغ كفيل بتغطية العجز في الموازنة العامة بعد المنح.
وفيما يتعلق بفئة الأفراد الذين يتقاضون رواتب شهرية(الموظفين)، قال منتدى الاستراتيجيات الأردني بأنه لا يوصي بتعديل قانون ضريبة الدخل الحالي بما يؤدي لفرض ضرائب جديدة على دخول هذه الفئة من المواطنين الأردنيين. حيث أوضح المنتدى أنه عند دراسة الرواتب الشهرية للموظفين العاملين بأجر في الأردن فإن متوسط راتب الموظف الأردني منخفض نسبياً.
وأضاف المنتدى، أن خيار تخفيض الإعفاءات الشخصية والمطروح حالياً على فئة العاملين بأجر شهري هو خيار غير مجدي. فعند النظر الى أرقام مؤسسة الضمان الاجتماعي في التقرير السنوي للمؤسسة في العام 2016، فإنها تُظهر أنه نحو 80% من الموظفين المشتركين في مؤسسة الضمان الاجتماعي يتقاضون رواتب أقل من 600 دينار شهرياً. بالإضافة لذلك، فإن اجمالي عدد الأفراد الذين يتقاضون أجور شهرية تتراوح بين 500-1000 دينار؛ يعادل 264,911 شخصاً. وأولئك الذين يتقاضون أجوراً تتراوح بين 1000-2000 دينار شهرياً عددهم هو 63,144 شخصاً. وبغض النظر عن حالتهم الاجتماعية فإن فرض ضرائب على رواتب الأشخاص الذين يتقاضون أجوراً ضمن هاتين الفئتين (500-1000/ 1000-2000) وبنسبة ضريبة دخل 5%، سيدر على الخزينة العامة للدولة ما قيمته 25 مليون دينار فقط سنوياً للفئة الأولى (بالنسبة لفئة الـ ــــ500-1000 دينار) !، و15 مليون دينار سنوياً فقط بالنسبة لفئة الاجور 1000-2000 دينار. وهذه الإيرادات الضريبية لا تعتبر محدودة وحسب، ولكنها أيضاً من المفترض ان تكون أقل من ذلك إذا اخذنا بالحسبان المتزوجين منهم (لأنهم يتمتعون بإعفاء ضريبي)، وكذلك فإنه من المٌكلِف تحصيل هذه المبالغ.
وبالنظر إلى “الأفراد” بفئتيهم الموظفين والمهنيين والحرفيين والشركات الصغيرة والمتوسطة (بحسب تصنيف وزارة المالية)، فإن اجمالي مساهمتهم الضريبية تشكل (0.65%) فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وبينت الدراسة أن هذه النسبة أقل من العديد من الدول حول العالم، حيث تشكل هذه النسبة في تركيا (3.6%) وفي فرنسا (8.4%) والنرويج (10.1%) والدنمارك (24.8%).
أما فيما يتعلق بضريبة المبيعات، قال منتدى الاستراتيجيات الأردني بأنه لا يوصي بزيادتها أو رفع نسبتها، حيث ذكر المنتدى في الدراسة أن ضريبة المبيعات في الأردن شكلت نحو 69% من اجمالي الإيرادات الضريبية التي حصلتها الحكومة في عام 2017 في الأردن. وأوضحت الدراسة بأنه، بمجرد زيادة الإيرادات الضريبية الحكومية المُحصلة من المهنيين والحرفيين والشركات الصغيرة والمتوسطة؛ فإن هذا سيؤدي بشكل مباشر لتنويع مصادر الدخل الضريبي للحكومة.
وفي هذا السياق، بين المنتدى أن النسبة التي تشكلها ضريبة المبيعات من إجمالي الإيرادات الضريبية في الأردن (69%) هي أعلى بكثير من دول مثل: استونيا (43%) وفنلندا (33%) والولايات المتحدة الأمريكية (17%). وأشار الى ان الارتفاع في النسبة سببه انخفاض مايتم تحصيلة من أنواع الضرائب الأخرى نسبة الى ضريبة المبيعات ، حيث أوصى المنتدى بضرورة تنويع مكونات هيكل الإيرادات الضريبية في الأردن.
وذكرت الدراسة، بأن قطاع الشركات الكبرى يساهم بما نسبته (17%) من اجمالي الإيرادات الضريبية التي تحصلها الحكومة، وأن هذه النسبة من الضرائب المحصلة من هذا القطاع هي أعلى مما يتم تحصيله من هذا القطاع في الدول المتقدمة؛ فمثلاً يساهم قطاع الشركات الكبرى في المملكة المتحدة بنسبة (10%) فقط بالإيرادات الضريبة، كما تبلغ هذه النسبة في الدنمارك (9.5%) وتركيا (9.5%) فقط. وأشار المنتدى في دراسته إلى أن القطاع المالي والمصرفي في الأردن يساهم بدفع 40% من اجمالي الضرائب التي يدفعها قطاع الشركات الكبرى. وبناءً على ذلك، أوصى منتدى الاستراتيجيات الأردني بعدم تغيير الضريبة الحالية المفروضة على قطاع الشركات الكبرى، كما اعتبر المنتدى بأن فرض ضرائب جديدة على هذا القطاع يعتبر “ضرائب على النجاح”.
وأوضح المنتدى إلى أنه ونتيجة لعدم كفاية الإيرادات التي تحصلها الحكومة في الأردن، فإنها أصبحت عاجزة عن زيادة الانفاق الرأسمالي التنموي في الأردن، حيث انخفض الانفاق الرأسمالي الحكومي في الأردن من 15% من الناتج المحلي الإجمالي في فترة الثمانينيات إلى 3.7% في العام 2017.
وبينت الدراسة أنه وبالنظر إلى الانفاق العام في الأردن بشقيه الجاري والرأسمالي ومقارنته بدول العالم، فإن متوسط معدل الانفاق العام في الأردن نسبة الى الناتج المحلي الإجمالي في العامين 2015 و2016 كان يُعادل 29.6%، وهو أقل بكثير من دول مثل؛ تشيلي (33.5%) وتركيا (37%) ولاتفيا (39%) وكذلك فرنسا (56.8%)، كل ذلك أدى الى انخفاض في كفاءة وكفاية الخدمات العامة المقدمة للمواطنين مثل الصحة والتعليم والنقل وغيرها.
وأوصى منتدى الاستراتيجيات الأردني بأنه يجب علينا الوصول إلى نظام ضريبي يساهم ويلعب دوراً في الرفع من المرونة الضريبية في الأردن (الإيرادات الضريبية نسبةً للناتج المحلي الإجمالي). ولهذا، إذا كان قانون ضريبة الدخل تصاعدياً، ولم تكن الإيرادات الضريبية محكومة بمصدر ضريبي واحد (مثل: ضريبة المبيعات) وكانت منوعة؛ فإنه من الممكن تحقيق معدل مرونة ضريبية ملائم. حيث يساعد هذا في رفع الإيرادات الضريبية تلقائياً بمجرد تحقيق النمو في الناتج المحلي الإجمالي.
كما أوصى المنتدى بضرورة توزيع العبء الضريبي على المكلفين توزيعاً عادلاً؛ وذلك بحيث يكون بالخصائص التالية؛ أولاً، يجب أن يكون العبء الضريبي على من يتمتعون بدخول مرتفعة أعلى من العبء الضريبي على غيرهم من ذوي الدخل الأقل أو ذوي الدخل المحدود والفقراء. ثانياً، يجب أن يدفع من لديهم دخول متساوية ضرائب متساوية، ولتحقيق العدالة يجب ألا تتحكم ضريبة المبيعات بالنظام الضريبي في الأردن، بمعنى ألا تكون ضريبة المبيعات هي المصدر الرئيسي للإيرادات الضريبية. ثالثاً، يجب أن يكون نص قانون الضريبة بسيطاً مفهوماً وغير مُعقد، وذلك لحماية دافع الضرائب من استغلال الخبراء والمدققين والمحصلين الضريبيين.
وشدد منتدى الاستراتيجيات الأردني على ضرورة قيام المعنيين بشرح القانون الحالي والقانون الجديد بشفافية وبطريقة مهنية وواضحة للرأي العام الأردني. وذلك لأن نسبة كبيرة من المواطنين الأردنيين تعاني مما يسمى بالوهم الضريبي، أي أنهم يظنون بأنهم يدفعون ضرائب أكثر بكثير مما يدفعون أصلاً على أرض الواقع. وأعزت الدراسة شعور المواطنين بالوهم الضريبي إلى أسباب عديدة، أبرزها التغيرات المتتالية على قانون الضريبة وكذلك الضعف في الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، مما يشعرهم بأنهم يدفعون ضرائب أكثر من تحصيلهم لخدمات مقابل الضرائب التي يدفعونها.
Related