إطلاق ألبوم الراحلة ريم بنا ‘‘صوت المقاومة‘‘ في عمان

الأردن اليوم – لا يوجد ما هو أصعب على فنان ومغن من فقدان صوته الذي صادقه طوال حياته. عندها سيقف في حيرة من أمره ويتساءل ما الذي يمكنه فعله؟!
الجواب الذي كان لدى الفنانة الفلسطينية الراحلة ريم بنا، كان البدء بكتابة خواطر على فيسبوك، تعبر من خلالها عن تجربتها وألمها لهذا الفقد، ليس بهدف انتاج عمل فني وآخر ألبوم لها، بل للتعبير عن نفسها.
بعد حوالي 7 سنوات من تشخيصها بسرطان الثدي، وخوضها لتجربة شرسة مع هذا المرض، ظلت فيها صامدة ومحاربة كمحاربين وثوار فلسطين، اكتشفت ريم بنا في العام 2015 أن صوتها بدأ يختفي شيئا فشيئا ولسبب مجهول، وبعد مراجعة الفحوصات وجدوا أنه وخلال علاجها من السرطان، تم اغفال الوضع الخطر في الأحبال الصوتية والتهاب الرئة، وبعد اكتشاف هذا الأمر، بدأت تخضع للعلاج في برلين.
الخواطر التي كتبتها على فيسبوك قرأها صديق لها حاصل على دكتوراه في الصوتيات، وطلب منها إرسال جميع الفحوصات الطبية والصور، وترجمها إلى موسيقى حديثة ونوتات موسيقية، ليولد آخر عمل فني واسطوانة لريم بنا باسم “صوت المقاومة”.
و”صوت المقاومة” هو عمل فني فكري يمزج روح المقاومة البطولية لدى غزالة فلسطين، وقصائدها المتمردة، وفحوصاتها الطبية بنغمات وموسيقى لفرقة حاجز Checkpoint 303 الإلكترونية، ويصاحبها ارتجالات بوجي ويسيلتوفت Bugge Wesseltoft على البيانو.
الألبوم، الذي أطلق في عمان أول من أمس ضمن فعالية نظمها مسرح البلد في دارة الفنون، تم خلالها استضافة والدة ريم الشاعرة الفلسطينية زهيرة الصباغ التي تحدثت عن ريم من يوم ولادتها وحتى يوم وفاتها، ورحلتها مع الموسيقى والسرطان، وشخصيتها القوية والتي تبث الفرح والأمل أينما حلت.
من الابداعات المهمة التي تميز موسيقى هذا الألبوم هي تحويل صور ريم الطبية من صور ذات بعدين إلى عناصر صوتية مسموعة. حيث تعرف هذه العملية بـ “صوتنة البيانات”، والتي قام ببرمجتها Checkpoint 303، حيث قاموا بتطبيقها على بيانات طبية من اختيار ريم.
ريم التي تميزت بغنائها للمقاومة الفلسطينية والتهاليل وأغنيات التراث وأنتجت 13 اسطوانة خاصة، عملت بلا كلل على اعداد “صوت المقاومة” كرد على من حاول انتزاع صوتها، وتمكنت من اتمام جميع التسجيلات الصوتية في كانون الثاني (يناير) 2018.
وكانت ريم قد عبرت بأنها تريد أن يكون هذا الألبوم مميزا وجريئا، وليس حزينا أو سوداويا فهو فعل مقاومة مبتكر في وجه الظلم والاحتلال في كافة أشكالهما.
يتضمن الألبوم خمسة عشر أغنية مكونة من مزيج ناري من الكلمات المؤثرة التي تحوي طياتها إرادة جبارة، وفن صوتي تجريبي، ودقات موسيقية معقدة وألحان بيانو قوية ومثيرة.
وتمكنت ريم من غناء بعض الأغاني أثناء التسجيلات الأخيرة التي استكملت في أوسلو في كانون الثاني (يناير) من العام 2018 بالرغم من ضعف أوتارها الصوتية.
تتراوح المشاعر في كلمات ريم في الألبوم، إذ تجمع بين التحدي والجرأة إلى العمق والشجون. إلا أن شجاعتها، وإنسانيتها، وايجابيتها المدهشة تتسرب من كل كلمة تنطقها وتغنيها.
تم تسجيل أغاني ريم من قبل إريك هيليستاد في استوديو معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقى في رام الله عام 2017، وفي Kulturkirken Jakob في أوسلو في كانون الثاني (يناير) 2018. وتم تسجيل عزف بوجي ويسلتوفت على البيانو من قبل مارتن ابراهامسين في اوسلو في كانون الثاني (يناير) العام 2018. وتم تسجيل صوتنة بيانات Checkpoint 303 ، وعزف الجيتار، والمقطوعات الإلكترونية في كل من تونس ومونتريال العام 2017 وفي بداية 2018.
في الفعالية التي أقيمت لاطلاق الألبوم “صوت المقاومة”، قدم فنانون عبر تسجيلات فيديو شهاداتهم في ريم ووداعهم لها، ومنهم الفنان مارسيل خليفة والشاعر زاهي وهبة، والفنان أحمد قعبور وغيرهم.
ولدت ريم، المغنية والملحنة والناشطة الفلسطينية في 8 كانون الأول (ديسمبر) من العام 1966، ورحلت في 24 آذار (مارس) 2018. وبعد اكتشاف والدتها لموهبتها وتقديمها للعديد من العروض في فلسطين، درست الموسيقى والغناء في المعهد العالي للموسيقى في موسكو، وتخرجت العام 1991 بعد 6 سنوات أكاديمية درست خلالها الغناء الحديث وقيادة المجموعات الموسيقية.
انطلق صوتها من فلسطين إلى تونس فالعالم العربي ودول أوروبا، وقدمت العديد من العروض ونالت العديد من الجوائز.
اعتبرت تهليلة “يا ليل ما أطولك” التي كتبتها والدتها الشاعرة زهيرة صباغ أيقونة غنائية لها، تنقل عن وجع اللجوء الفلسطيني ووجع الغربة للعالم.
حملت ريم فلسطين معها أينما حلت، أول قصيدة عرفتها كانت “أحبك أكثر” لمحمود دوريش.
رحلت ابنة الجليل ووجهها “جميل وضاحك” كما قالت أمها التي كتبت يوم رحيلها على فيسبوك: “رحلت غزالتي البيضاء.. خلعت عنها ثوب السقام ورحلت.. لكنها تركت لنا ابتسامتها تضيء وجهها الجميل.. تبدد حلكة الفراق”.
رحلت ريم بنا، وتركت عشرات الأغنيات، وصوتها الدافئ القوي، مع دعوة واضحة للمقاومة والحب.