الاردن اصبح مستهدفا ملكا وشعبا ومجتمعا  … تعاون الجميع اصبح فرض عين للخروج من مخالب الازمة … ليس هذا هو وقت للانتهازية أو محاولات تصفية الحسابات …

كتب: احمد عبد الباسط الرجوب

في ظل الاجواء المحتقنة في بلادنا والاضرابات العامة الغير مسبوقة والتي دعت اليها الهيئات والنقابات يوم غد الاربعاء ، كل ذلك تمخض من سياسات اقتصادية كان الاجدى على الحكومة التريث قليلا وايجاد السبل البديلة لرفد الخزينة بمصادر دخل تجنبها الغوص الى جيوب المواطنين والذي ادى الى احتقان المجتمع بكافة اطيافة ضد قرارات الحكومة الاقتصادية المتعثرة وايضا من شانها نكوص المستثمرين عن ضخ الاموال في الاستثمارات التي تعود بالنفع على الدولة وفرص التوظيف للاردنين المتعطلين عن العمل في سقف بطالة تجاوزت حاجز 18.2 % وهو رقم ينذر بالخطر الداهم لا بل قنبلة موقوتة اعتقد بان الحكومة العتيدة لا تعيرها ما تستحقة من اهتمام للتصدي له عاجلا..

إن المتامل جيدا على مآلات الوضع الاقتصادي في البلاد وما يندرج عليه تحديدا ادارة الحكومة الحالية لدفة مناحي الحياه وكانه في رأينا ” الضرب على عصب العمود الفقري للدولة ” وهو الجانب الاقتصادي وخاصة قانون الضريبة الجديد والذي تعتزم الحكومة اتخاذه بعد نيل موافقة مجلس  النواب الحتمية عليه، وهذا القانون الذي بات يعرف بأنه اداة للجباية،  وهو القانون اذا ما رأى النور من تحت قبة برلمان فقد يتسأل البعض كيف تحاول الحكومة تشجيع الاستثمار وهي تحاول ان ترفع الضريبة على كل شي وبالتالي هل يجازف المستثمرون باموالهم في هذا البلد …

يتفق معي الكثيرون بأن الاردن قد نجى حتى الآن من العاصفة السياسية التي اجتاحت دولاً كثيرة في الشرق الأوسط منذ أواخر عام 2010 بفعل وعي وثبات شعبنا وتعاضده مع قواتنا المسلحة. ومع ذلك فمن الممكن أن تتحول العديد من التحديات التي تطفوا الآن على السطح إلى تهديدات خطيرة تعصف باستقراره … فمع كون الثقافة السياسية الأردنية — المعتدلة وغير المؤدلجة والمناوئة للثورات — عاملاً مخففاً لدى قوي التأثير، إلا أن مخاطر عدم الاستقرار الداخلي الحالي هي أكبر من أي وقت مضى…

وفي هذا السياق يشعر معظم الأردنيين بأن وطنهم فى أزمة، والقليل منهم قادر على تعريف ماهية هذه الأزمة أو الأزمات ومصدرها ، وفي رأينا هناك اسباب جوهرية رئيسية تمر بها بلادنا يمكن التعريض لها وهى:

1.تقلب سياسة الادارة الامريكية الحالية (تاجر العقارات ترامب) فى كيفية ممارسة هذه الادارة لسياستها فى المنطقة وخاصة القرار المتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة الكيان الصهيوني وما ترتب على ذلك من إضعاف لموقف الأردن وتهديد لأمنه الداخلى ودوره الاقليمى وأثر ذلك على علاقته مع أمريكا.

2.التغيير الواضح فى سياسات السعودية (العهد الجديد) وأولوياتها، وانعكاس ذلك سلبا على طبيعة علاقتها مع الأردن..

3.تغير نهج دولة الكيان الصهيونيوالتى بدأت تنتهج بدور الحليف الاستراتيجى الإقليمى والأهم للسعودية فى صراعاتها فى المنطقة وخصوصا ايران، والذى نقل اسرائيل من خانة العدو إلى خانة الحليف مجانا ودون مطالبتها بأى تنازلات للفلسطينيين مقابل ذلك.

4.التقاء أطراف القوة الثلاث (أمريكا وإسرائيل والسعودية) معا خارج نطاق العلاقة مع الأردن، وأصبح المطلوب من الأردن أن يقبل بما هو مطلوب منه ولا قدرة له على تنفيذه ، أو معروض عليه ولا قدرة له على قبوله أو مقاومة الضغوط المرافقة له باعتباره مطلبا جماعيا يمثل الأطراف الثلاثة، وهى أطراف لا قدرة للأردن على مقاومتها بسهولة خصوصا عندما تجتمع معا ، وهو ما يشير الى استهداف الاردن ” ملكا وشعبا ومجتمعا “…

إن انتقال علاقة الأردن مع كل من السعودية وأمريكا واسرائيل من الثابت إلى المتغير قد أضعف من الشعور الأردنى بالقدرة على الاعتماد على وجود حلفاء تاريخيين له سواء للدعم المالى أو السياسى، بل على العكس أصبح انسحاب أولئك الحلفاء مصدر قلق له. هذا بالإضافة إلى كون أولئك الحلفاء هم أساس ثقة الاردن العالية بقدرته على الاستمرار، واعتبار ذلك ركيزة الاستقرار الداخلى للأردن.

أما على الصعيد الإقليمى فإن ابتعاد السعودية فى نهجها الجديد عن الرابطة العربية وذلك على المستوى الاقليمى قد فتح الباب أمام الأردن نحو خيارات إسلامية عوضا عن العربية خصوصا فى ظل الفشل المتتالى للجامعة العربية ومؤسسات العمل العربى وبدء انهيار مجلس التعاون الخليجى وهو الامر الذي بات جليا وواضحا بقيام الأردن بسرعة بالالتفات نحو تركيا وهى الخيار الأقل خلافا كون تركيا عضوا فى حلف الناتو، وهنا نعتقد بان التعامل معها ” أي تركيا ” كبديل إسلامى سنى للسعودية على المستوى الاقليمى لن يثير غضب أمريكا واسرائيل….

وهنا لا بد من التذكير الى التأكيد المتزايد للملك عبد الله الثاني على استمرار الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة فى القدس وعدم التخلي عن دوره فى القدس وعلى دوره كوصى على الأماكن المقدسة وهو جزء هام من شرعية الهاشميين التاريخية في هذا السياق يضاف الى ذلك الحملة الدولية التى رافقت ذلك من مؤتمر التضامن الإسلامى فى اسطنبول إلى زيارة الفاتيكان وفرنسا والتى رافقها تأكيد أردنى متزايد على شمول الأماكن المقدسة المسيحية بالوصاية الهاشمية، وهو الذي قد أثار غضب السعودية التى أعلنت، وللمرة الأولى، عن عدم ارتياحها، إن لم يكن رفضها، للوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة فى القدس. وقد حَوَّلَ هذا الموقف السعودى الجديد الموضوع إلى خصام مباشر علنى بين البلدين ، وهو ذات الامر الذي اشرت اليه في مقال سابق نشر في هذا الموقع الزاهر والذي اشار اليه موقع ” ديبكا الاسرائيلي ” والذي تم الاعلان عنه يوم الأحد 20 مايو/ أيار الجاري بخصوص الاتفاق بين زعماء ” السعودية والامارات ومصر والبحرين ” وبرعاية أمريكية على خطة الرئيس الامريكي لحل النزاع الفسطيني الاسرائيلي ” فيما يعرف بصفقة القرن ” وتجاهل وتغييب للدور الاردني التاريخي في الضفة الغربية وخاصة القدس ومقدساتها…

لقد واجه الاردن  مجموعة من التحديات الخارجية والداخلية المتزايدة ، فقد تمحورت المصادر الخارجية الرئيسية لعدم الاستقرار في الآثار غير المباشرة للحرب الدائرة على الأراضي السورية والتي من بينها احتمالية التورط في اشتباكات عسكرية على المناطق الحدودية منطقة خفض الاشتباك (منطقة درعا)، وظهور التطرف السلفي، والتكلفة الباهظة للأعداد الكبيرة والمتزايدة للاجئين، والتدخل الممكن للحركات الإسلامية من الدول الإقليمية الأخرى داخل الأردن. وتشمل المصادر الداخلية لعدم الاستقرار ارتفاع السخط الشعبي الناتج عن إجراءات تقشف اقتصادية وبخاصة قوانين الضريبة المتلاحقة وبخاصة القانون الاخير الذي اصبح في طريقة الى مجلس النواب لاقرارة كما اسلفت، في ظل عدم وضوح الرؤيا للوضع الاقتصادي في البلاد في قادم الايام والذي يظهر بانه صعب وربما سيصعب اكثر ، وكذلك إصلاحات سياسية غير كافية إلى جانب التسامح الحكومي تجاه الفساد ، وفي الوقت الذي تشكل فيه التهديدات الخارجية تحديات كبيرة للدولة الاردنية، إلا أن الخطر الأكبر هو عندما تتبلور هذه التهديدات أو تزيد من حدة عدم الاستقرار الداخلي…

ختاما  وبالنظر الى ما تقدم يجب ان يدرك الجميع في الوطن اننا مستهدفون وعلى المحك من الشقيق والعدو ، وهنا يبرز دور مؤسسات المجتمع بكافة اطيافه ونخبة السياسة تلك الطبقة التي تتميز بقدرتها على التأثير أكثر من غيرها مع جنيها لنتائج ملموسة بفعل هذا التأثير ، ولا مجال للمهاترات والغمز واللمز وخاصة في الصالونات العمانية والتي لا تجني الا مزيدا من الانقسام والتشرذم ويكون الوطن اكبر الخاسرين ، ليس هذا هو وقت للانتهازية أو محاولات تصفية الحسابات لذلك تعاون الجميع اصبح فرض عين للخروج من مخالب هذه الازمة الطاحنة … حدودونا الشمالية على وشك الانفجار والقوى العظمى تحيك بافعالها شرا مستطيرا من حولنا والسياسين ونواب الامة يبحثون عن تعين امين عام او مستشار هنا وهناك او الانتفاع لللاستثمار بلوحة اعلانية على قارعة احد الطرق ، لكن الامل معقود على الجباه السمر ابطال واسود جيشنا العربي حماة الوطن واجهزتنا الامنية حماهم الله وايدهم بنصر من عنده..

السلام عليكم ،،،

باحث ومخطط استراتيجي

arajoub21@yahoo.com

رئيسي