الأردن اليوم – احمد جميل عزام
كتبتُ في الغد في نهاية العام 2012، ما يلي “كما هي العادة، يكفي أن يلقي أي شخص حجرا في أي مياه، ليثور الجدل حول العلاقة الأردنية-الفلسطينية، ولتدور الأحاديث عن أخبار وصفقات ومؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية، ربما على حساب الأردن”. وقلت إنّ هذا ما حدث بعد أن نشر “قبل أيام، خبر عن اجتماع للرئيس الفلسطيني محمود عباس، بحث فيه مع مجموعة من مساعديه موضوع الكونفدرالية مع الأردن”. وكتبتُ حينها أنّه قبل ذلك بشهرين ثارت ضجة عندما تحدث القيادي السابق في حركة “فتح” ومنظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي، عن الشأن نفسه، رغم أنّه غائب عن الساحة منذ أمد. والواقع أنّه أيضاً قبل ذلك بأعوام، زارني في البيت صحفيان من صحيفة أميركية مرموقة، يسألانني، كما سألا غيري، عن الكونفدرالية المرتقبة، بعد تصريحات شخصية أردنية في الأمر، وأذكر أنه بعد نحو ساعة غادرا، وكان واضحاً عدم رضاهما عن رأيي أنّ الموضوع لا يتعدى كونه آراء شخصية وأفكارا نظرية، ولا شيء عمليا قريبا، ولذلك لم يرد أي شيء مما قلته في تحقيقهما عن الموضوع.
الآن يتجدد الجدل، على نحو مشابه للمرات السابقة. ربما الجديد هذه المرة، أنّ الرئيس الفلسطيني، كما قال سياسيون وصحفيون إسرائيليون التقوه قبل أيام، قال إنّ فريق الإدارة الأميركية الحالية، طرح الفكرة. وتحديداً نقلوا عنه أن الرئيس محمود عباس قال إنّ فريق ترامب خلال المفاوضات عرض عليه اتفاق سلام قائم على كونفدرالية مع الأردن. وأنّه رد قائلاً، “أريد كونفدرالية بثلاثة أطراف، مع إسرائيل والأردن، وأنا أطالب إسرائيل بقبول هذا المقترح”.
بطبيعة الحال فإنّ اللقاءات الأميركية الفلسطينية متوقفة منذ نحو تسعة أشهر، لذلك فأي نقاش بهذا الشأن سبق هذا الأمر، واللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية الجارية، هي أمنية، وليست سياسية، (رغم قرارات المجلس الوطني الفلسطيني وقف التنسيق الأمني) وهي لا تبحث التسوية السياسية حالياً. وبالتالي ما قاله عباس يشير على ما يبدو إلى فكرة، هي على الأغلب مجرد طرح نظري، طرح بشكل عابر، وأفكار تتعلق بشيء مستقبلي.
الأهم أنّه لا معنى عملي لطرح الكونفدرالية، وفي مقالي سالف الذكر العام 2012، أوردت ما يلي “لا غنى عن إعادة تعريف الكونفدرالية، والقول إنّها نوع من الاتفاق على تنسيق العلاقات بطريقة ذات بعد مؤسساتي ومنتظم بين دولتين، لكل منهما شخصيتها القانونية، واستقلاليتها الإدارية، وحدودها، وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية”. وجاء في ذلك المقال أما الفيدرالية على غرار الولايات المتحدة الأميركية، والإمارات العربية المتحدة، وإلى حد أقل بريطانيا (المملكة المتحدة) وغيرها، فهي تتضمن إزالة الحدود، مع بقاء مظاهر استقلالين إداري وأمني (داخلي) نسبيين، واندماج الشخصية القانونية الدولية (خارجيا). وجاء في المقال “تنطوي العلاقة الأردنية-الفلسطينية على أرض الواقع، ونتيجة لإرث وحدة الضفتين والجغرافيا التي تجعل الأردن الرئة الوحيدة للضفة الغربية، على الشيء غير القليل من معالم الفيدرالية، مثل جواز السفر الذي يُمنح للفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية، والذي يُستخدم لأغراض السفر وليس وثيقة جنسية أو مواطنة، رغم وجود جواز سفر فلسطيني معترف به دوليا. وهناك دور الأردن في القدس والأوقاف الإسلامية، وغير ذلك”. وجاء أنه “حتى تصبح هناك كونفدرالية، لا بد من دولة فلسطينية مستقلة”.
ومع الإسرائيليين، حالياً، وغالبا تحت أي حل مستقبلي يتضمن دولتين، سيكون هناك “تنسيق” عال كما في العلاقة الكونفدرالية على الأقل.
في الواقع أن العلاقة الأردنية الفلسطينية تكاد تتجاوز الكونفدرالية عملياً، ولكن أي كونفدرالية رسمية، تعني استقلال فلسطين أولا وخروج الاحتلال الإسرائيلي، ونشوء دولة فلسطينية مستقلة، وقبل هذا الاستقلال أو بدون الاتفاق عليه، لا معنى أبدا للحديث عن الكونفدرالية إلا نظرياً، وهو أمر مستقبلي، وعملياً عند حدوث هذا على الأغلب ستتوقف مظاهر مثل الجواز الأردني، وتُنظّم العلاقة في القدس؛ أي قد تختفي بعض المعالم الراهنة، وتنشأ أخرى جديدة بين دولتين.
الصحافة الإٍسرائيلية، تثبت يومياً أنها صحافة من النوع الرديء، الملتحق بالاحتلال وحكومته، أو لتحقيق انتشار للصحفيين، الذين باتوا يحبون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق “فرقعات” إعلامية، والأجدى عربياً شعبياً ورسمياً عدم الالتفات كثيرا لهذه الصحافة.